x

مي عزام حلم الشباب الدائم ورحلة ناراياما مي عزام الأحد 27-12-2015 23:14


لم تعد «رحلة ناراياما» مقبولة في عصرنا الحاضر، وهى الرحلة التي قدمها المخرج اليابانى شوهي إيمامورافى فيلم يحمل نفس العنوان، ويتحدث عن رحلة المسنين للجبل المقدس حيث ينتظرون النهاية، ليتركوا الفرصة أمام أولادهم وأحفادهم، هذه الرحلة المقدسة أصبحت أسطورة أقرب إلى الخرافة.

العقود القادمة من تاريخ البشرية ستشهد تزايدا كبيرا في أعداد المسنين مقارنة بالشباب وخاصة في الدول المتقدمة الثرية، هذه الدول ستصبح دولًا من العجائز، وهو ما سيؤدى إلى تغيرات في الديموجرافيا، وسيجبر الدول الغنية على فتح أبوابها أمام شباب الدول الفقيرة والنامية ليصبحوا القوة العاملة بها وهو ما قد يؤدى إلى تغيرات كبيرة في تلك البلاد على مر السنين.

الحاجة أم الاختراع، مقولة صائبة دائما، والدول المتقدمة أدركت أنها أمام مشكلة عليها أن تبحث لها عن حلول قبل أن تتفاقم، ولقد بدأت منذ فترة أبحاثا علمية في مجال الهندسة الوراثية هدفها تحقيق حلم الشباب الدائم.

وفى شهر أكتوبر الماضى كشف علماء الوراثة في الولايات المتحدة الأمريكية عن تجربة علمية فريدة، حيث حقنوا وريد امرأة بمواد جينية مخلقة، هذه الحقنة هدفها التوغل في خلايا الجسم والمحافظة على شباب دائم لهذه المرأة. ويأمل العلماء من خلال هذه التجربة التوصل إلى علاج يؤمن ديمومة الشباب.
المرأة التي قبلت التحدى غير المعروف نتائجه هي أمريكية تدعى إليزابيث بيريش وهى بهذه التجربة تعد أول امرأة في العالم «معدلة جينيا» بناء على رغبتها الشخصية، لتبقى دائمة الشباب.

ولقد أعرب خبراء عن قلقهم من هذه العملية التي قد تتسبب في ظهور أعراض جانبية غير معروفة بعد.
أما بيريش نفسها فتقول ردا على أسئلة الصحفيين بأنها مستعدة لمواجهة جميع الأعراض الجانبية التي قد تظهر بعد هذه العملية. وأضافت: «في جميع الأحوال إذا لم أشارك في هذه التجربة، فسوف أموت من أمراض الشيخوخة. ولكن إذا نجحت التجربة فإنها ستساعد على إنقاذ حياة الملايين، المسنون في تكاثر، وهؤلاء يمكنهم أن يكونوا أصحاء وأقوياء وقادرين على الاعتناء بأنفسهم بدلا من الجلوس في دور العجزة على كرسي متحرك».
هذه الأبحاث العلمية تهدف في الأساس لتخفيف أعراض الشيخوخة، العلم يبحث عن احتفاظ الجسد بوظائفه الحيوية في مستوى مرحلة الشباب، وليس مجرد المظهر الخارجى والذى يهتم به خبراء التجميل والمكياج .
البحث العلمى عن الشباب الدائم ليس الغرض منه الحفاظ على نضارة وجمال الصبا كما كان الحال في رواية «صورة دوريان جراي» لأوسكار وايلد، ولكن إيجاد حل لمشكلة تزايد أعداد المسنين والذى يؤثر سلبا على ميزانيات التأمين والرعاية الصحية.
العلم يحاول أن يوقف زحف الشيخوخة، وهو طور هام من أطوار الإنسان خلال حياته، الوهن والضعف الذي يصيب الإنسان مع تقدمه في العمر ليس كله سلبيا، لكنه يؤدى وظيفة هامة في مسار الإنسانية، فالشيخ الذي يشعر بضعفه تتغير نظرته للعالم ويصبح أكثر تسامحا وقبولا لحماقة الآخرين، كما أنها تجعله يتحاشى العنف والعدوانية ويميل إلى السلام .
تخيل معى نجاح الحقنة السحرية التي توقف الهدم في الجسم البشرى، من تعتقد الفئات التي ستسارع بالحصول عليها مهما ارتفع ثمنها، أعتقد ان حكام الدول النامية سيكونون في أول طابور الزبائن الذين يبحثون عن الجرعة، فهؤلاء يضطرون آسفين للتنازل عن الحكم حين يصابون بالخرف أو أمراض الشيخوخة المزمنة التي تعيقهم عن ممارسة الاستبداد والاستئثار بالسلطة، ويأتى بعدهم طابور طويل من الأثرياء في مختلف الأنشطة.
العالم سيمتلأ بوحوش لا تهرم، فهل يمكن أن يكون ذلك حلا؟ ألن يأتى اليوم الذي يندم فيه العلماء على صنيعة أيديهم؟ محاولة التدخل في عمل الجسم الإنسانى ومراحله العمرية دون الأخذ في الاعتبار الحكمة منها والتى تغيب عن أذهاننا، سيؤدى هذا لكوارث مثلما يحدث الآن مع التغيرات المناخية التي قد تؤدى بنا جميعا للفناء لولم نسارع في إنقاذ كوكبنا الذي أفسدناه على أنفسنا.
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية