أعترف أن معلوماتى القانونية تقل بكثير عن كونها حتى معلومات عامة، ولكننى أعتقد أننى سمعت أنه لو قام شخص بصدم آخر بسيارته ونجم عن ذلك إصابة بليغة أو وفاة وتحرر محضر بذلك، فإن المصالحة بين الطرفين لا تنهى القضية، لأن النيابة تأخذ الموضوع للقضاء لما يسمى حق المجتمع.. والقاضى قد يأخذ بالمصالحة كأساس لتخفيف الحكم فلا يزيد على غرامة مالية أو حتى البراءة.
أكرر أننى لست متأكداً من دقة المعلومة ولكن هناك شيئا فى القانون يشبه هذا المثال يؤدى بنا فى النهاية لحق المجتمع.. إن ما يحدث على الملأ من تلاسن وسباب وتدخل فى الحياة الخاصة وهو ما لا يحدث فى الإعلام فقط- حتى لا يسىء أحد فهمى- بل هو ممتد لفئات كثيرة من المجتمع هى فى معظمها ما يسمى كريمة المجتمع المصرى.. عندما نقول كريمة، فالمقصود على ما أعتقد أنها طبقة «القشطة» فوق سطل اللبن الحليب.. ولكن الناس القشطة لم يعودوا قشطة بل أصبحوا كرواسب فى قاع سطل اللبن بكل الشوائب والإضافات غير الصحية التى تضاف من قبل اللبان الغشاش.. أى هم مثال لعمليات الغش وأصبح المجتمع كله مغشوشا فيهم.
مشاهد المصالحة التى تتم بين السياسيين والإعلاميين والرياضيين وحتى القضاة والقانونيين أهدرت القيم المجتمعية أكثر مما أهدرته مشاهد العراك والتلاسن والغيبة.. لأن مشاهد المصالحة تستخف بحقوق الناس وهم المعنيون فعليا بالاعتذار لتعرضهم للألفاظ والمشاهد واللقطات والصور والتلميحات والإيماءات وغير ذلك دون ذنب من قشطة المجتمع الذين لم يصبحوا قشطة بعد أفعالهم.
البرلمانيون يهاجمون بعضهم البعض حتى قبل أن يجتمع البرلمان ولو لمرة واحدة وربما لو التقوا فى الشارع لن يتعرفوا على بعض، ولكن يبدو أن مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع أصبح سائداً بين من انتخبهم ربع الشعب أو أقل من الربع بقليل ليكونوا قيمين علينا وليسعوا لإعادة القيم إلى المجتمع بعد أن افتقدها لسنوات ليست بقليلة.. هذا واجب رئيسى عليهم أن يقوموا به، بالإضافة إلى دورهم التشريعى والرقابى على السلطة التنفيذية.. ولكن ما يحدث اليوم لا ينبئ بأن لديهم القدرة أو حتى الرغبة لفعل ذلك لأنهم انشغلوا بالهجوم على بعضهم البعض.. واليوم بدأت التسريبات عمن اشترى الأصوات ومن حضر شراء الأصوات فبدأ دق المسامير فى نعش البرلمان حتى قبل أن ينعقد.
وإذا تحدثنا عن الإعلام فإن المصالحة بين طرفين فى «قعدة عرب» و«عيش وملح» وهو شىء جيد، لا تنفى الاحتياج الشديد للاعتذار للمجتمع كله لإشراكه، رغماً عنه، فى أمور لم يشأ أن يشارك فيها.. جلسات العيش والملح كنا اعتدنا عليها فى مجال كرة القدم خلال الأربعين عاما الماضية فيتم حل خلافات حادة على صفحات الجرائد بجلسة كفتة وكباب.. ولكن امتداد حالة الكفتة والكباب للإعلام والسياسة هو أمر جديد علينا.
الخلاف بينكم يا سادة يشملنا جميعا لأنكم عرضتمونا له وأشركتمونا فيه، ولذا وجب عليكم إشراكنا فى الاعتذار والمصالحة والكفتة والكباب وإلا لن نقبل اعتذاركم لبعضكم البعض.. يجب أن يسود قانون ينص على كل من أشرك المجتمع بأكمله فى خلاف شخصى تخطى به حدود اللياقة والأخلاق أن يسدد لكل مواطن قيمة ربع كفتة أو كباب- أيهما أغلى- أى يسدد قيمة 22 ونصف مليون كيلو كفتة وكباب حتى نقبل الاعتذار.
وإذا تعذر ذلك فعلى المخطئ أن يخرج إلى المجتمع كله ويتقدم إليه بالاعتذار ويثمن بعد ذلك على شجاعة المجتمع فى قبول هذا الاعتذار ولا يصبح الموضوع اعتذارا فى غرفة مغلقة لأمر تم فى العلن.. إما أن تفعلوا ذلك أو أن تتنازلوا عن وضعكم كناس قشطة.