في عهد محمد على باشا كانت هناك نواة جامعية أولى تمثلت في مجموعة من المدارس (الكليات) كمسوغات علمية وتعليمية لمشروع محمد على التحديثي، مثل مدرسة المهندسخانة ومدرسة الطب وغيرها، وما لبث أن أُغلقت هذه المدارس في عهد التراجع (عهد الخديو محمد سعيد).
وفي عهد الخديو عباس حلمي الثاني، وبقوة دفع من الحركة الوطنية المصرية الناهضة في أوائل القرن العشرين انبرى عدد من رموز التنوير وقادة العمل الوطنى، الذي كان منهم محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول، ومصطفى كامل الغمراوى لإنشاء جامعة مصرية.
ومع اشتداد ساعد الحركة الوطنية المصرية في أوائل هذا القرن العشرين سعت هذه النخبة من قادة العمل الوطنى، ورواد حركة التنوير والفكر الاجتماعى في لتحقيق هذا الحلم الذي طالما راود أبناء هذا الوطن، وهو إنشاء الجامعة الأهلية غير أن الاحتلال حاول أكثر من مرة تعطيل هذا الحلم، غير أن ذلك لم يفت في عضد المتحمسين للفكرة، وعاودوا الكرة من خلال لجنة من الوطنيين، الذين سعوا حثيثا، وبإصرار باتجاه تنفيذ الفكرة حتى خرجت الفكرة إلى النور، وتم افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية «زي النهارده» في ٢١ ديسمبر ١٩٠٨ في حفل مهيب أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين حضره الخديو عباس الثانى، وبعض رجالات الدولة وأعيانها.
وفى مساء يوم الافتتاح بدأت الدراسة في الجامعة على هيئة محاضرات ولما لم يكن قد خُصص للجامعةمقربعد فقد كانت المحاضرات تلقى في قاعات متفرقة كان يعلن عنها في الصحف اليوميةكقاعة مجلس شورى القوانين، ونادى المدارس العليا،ودار الجريدة إلى أن اتخذت الجامعةمكانا لها في سراى الخواجة نستور جناكليس الذي تشغله الجامعة الأمريكية بالقاهرة حالياً، ثم انتقل مقرها إلى سراى محمد صدقى بميدان الأزهار بشارع الفلكى،
وسعيا لتأسيس نواة لهيئة التدريس بادر القائمون على المشروع بإيفاد بعثات علمية من الطلبة المتميزين لجامعات أوروبا لتأهيلهم كمدرسين بالجامعة، وفى ١٩١٧ فكرت الحكومة في إنشاء جامعة حكومية وألفت لجنة لهذا الغرض فأوصت اللجنة بضم المدارس العليا القائمة إلى الجامعة فضَمت مدرستى الحقوق والطب إلى الجامعة في ١٢ مارس ١٩٢٣، وتم الاتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية على الاندماج في الجامعة الجديدة على أن تكون كلية الآداب نواة لهذه الجامعة.
وفى ١١ مارس ١٩٢٥ صدر مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية، وكانت مكونة من كليات أربع هي الآداب، والعلوم، والطب، والحقوق،وفى ١٩٢٨ بدأت الجامعة في إنشاء مقار دائمة لها في موقعها الحالى الذي حصلت عليه من الحكومة تعويضاً عن الأرض التي تبرعت بها الأميرة فاطمة بنت الخديوى إسماعيل للجامعة، وفى ٢٣ مايو ١٩٤٠ صدر قانون بتغيير اسم الجامعة المصرية إلى جامعة فؤاد الأول، وفى ٢٨ سبتمبر عام ١٩٥٣ صدر مرسوم ثالث بتعديل اسم الجامعة من جامعة فؤاد الأول إلى جامعة القاهرة.
وتقول الدكتورة عواطف عبدالرحمن عميدة كلية الإعلام السابقة بجامعة القاهرة أن الجامعة لعبت دورا علميا وتعليميا رفيعا على مستوي العالم العربي وكان الأساتذة أشبه بالقديسين وتخرج من تحت أيديهم عدد ضخم من النخب الوطنية والفكرية الرفيعة كما كانت نقطة انطلاق مشاركة الطلبة في الحركة الوطنية وخرجت منها أهم المظاهرات منذ ثورة 1919.
وفي سنة 1935 وفي 1946 الآن خفت بريق هذه الرسالة وهذا الدور واختلط الحابل بالنابل ولم يعد أساتذة اليوم كأساتذة الرواد كما حلت الأهداف الشخصية على الأهداف الوطنية الأسمي كالارتقاء بالمستوي العلمي وهناك الكثير من الدراسات التي تشير لاهتمام أساتذة الجامعات بقضية استقلال الجامعات باعتبارها شرطاً أساسياً لتصحيح منظومة التعليم الجامعى كمسألة بديهية وشرط أساسى لبناء منظومة علمية منتجة وأعنى به احترام استقلالية الجامعات وحرياتها الأكاديمية وهذا يشكل تحدياً كبيراً يواجه الجامعات المصرية.
وتابعت: لعل السبب الرئيسى للسيطرة الحكومية على الجامعات يرجع إلى كونها الممول الأول لمنظومة التعليم الجامعى وتتحكم من خلال هذا التمويل بصورة مباشرة في جميع الشؤون الجامعية غير أن استقلال الجامعات مالياً يجعل من حق كل جامعة في أن تضع لنفسها ما تراه من لوائح، وأكاديمياً بمعنى حق كل جامعة في أن تنشئ من الكليات والتخصصات وما تشاء في إطار احتياجات المجتمع إلا أن الجامعات لا تزال بعيدة عن الاستقلال الحقيقى فالدولة بحكم إنفاقها على الجامعة تسيطر على مجمل الشؤون الجامعية من خلال المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالى وتتولى تعيين القيادات الجامعية رؤساء الجامعات ونوابهم وأمناء الجامعات ويتولى رؤساء الجامعات تعيين العمداء والوكلاء ورؤساء الأقسام بشرط موافقة السلطات الأمنية.
وكانت الجامعات المصرية تحتفظ باستقلالها الذاتى حتى أزمة مارس 1954 حيث أنهت ثورة يوليو استقلال الجامعة بادئة بحملة التطهير ثم بتغيير قانون الجامعات في 1958ومنذ ذلك الحين أصبحت الجامعات المصرية تابعة للسيطرة السياسية وملحقة بها.