x

«زي النهارده».. وفاة الروائي الأمريكي فرانسيس سكوت فتزجيرالد 21 ديسمبر 1940

الإثنين 21-12-2015 02:24 | كتب: ماهر حسن |
صورة أرشيفية صورة أرشيفية تصوير : آخرون

فرانسس سكوت فتز‌جرالد كاتب أمريكي كبير ونجد أصداء من سيرته في أعماله ولعل سيرة حياة هذا الأديب في حد ذاته حافلة وغنية بالتراجيديا التي تفوق أجواء الروايات ذاتها.

ولد في 24سبتمبر 1896 في مدينة سانت بول بولاية مينسوتا بأمريكا وقد صادف شهر مولده الشهر الذي نُظم فيه النشيد الوطني للولايات المتحدة، وهكذا أطلقت العائلة على وليدها اسم فرنسيس سكوت تيمنا باسم مؤلف النشيد فرنسيس سكوت كي الذي كان أحد أسلاف فيتزجيرالد.

وكان والده صاحب ودير متجر لبيع الأثاث، وحمله كساد تجارته عام 1897 على الانتقال والعائلة إلى مدينة نيويورك حيث عمل بائعاً، لكنه عاد إلى سانت بول بعدأن سُرّح من العمل في 1908 وهو العام نفسه الذي التحق فيه هذا الابن الوحيد بأكاديمية سانت بول لتتولى عائلة والدته التي كانت من العائلات الموسرة معظم مصاريف دراسته وحين كان فيتزجيرالد وفي الثالثة عشرة من عمره وفي 1909 نُشر أول قصة بعنوان لغز رهن ريموند في مجلة أكاديمية سانت بول ثم كانت قصته الآن وبعدئذٍ والتي حاكى فيها أسلوب قصص شارلوك هومز ثم نشر ثلاث قصص أخر خلال العامين اللاحقين، ليأخذ بعد ذلك بتأليف مسرحيات وهو ما يزال طالباً في تلك الأكاديمية.

ولم يكن فيتزجيرالد تلميذا متفوقا سوى في حلقات النقاش والمناظرة، والألعاب الرياضية، ثم أرسله أبوه في1911لمدرسة نيومان إحدى أفضل المدارس الداخلية التابعة لكنيسةالروم الكاثوليك بمدينة هاكنساك في ولاية نيوجيرسي التي كان يُرسل إليها أبناء الطبقة المترفة تعرّف فيتزجيرالد في نيومان على الأب سيجورني أحد رجال الدين الكاثوليك المنشغلين بأمور الناس والمجتمع وأصبح له بمثابة الأب والناصح والمرشد، مشجعاً إياه على تطوير ملكاته الإبداعية وعلى مواصلة تحقيق أحلامه في الإنجازات الشخصية والتميز، وقدمه لشخصيات معروفة في المجتمع من أمثال هنري آدمز.

وفي رواية هذا الجانب من الفردوس التي تقترب كثيراًمن السيرة الذاتية لطالب وسيم،مدلل،لكنه مثالي، وفي مقتبل العمريدرس في جامعة برنستون، خلَّد فيتزجيرالد سيجورني فيه في شخصية المنسنيور ثير دارسي وأثناء دراسته في نيومان نشر فيتزجيرالد ثلاث قصص في المجلة الأدبية للمدرسة وفي 1913 تمكن من التسجيل في جامعة برنستون وأخفق في تحصيله لما حفلت به دراسته بمشكلات أكاديميةوعدم مبالاة،وربما كان من أسباب ذلك الإخفاق افتتانه أثناء تلك الفترة بصبية في السادسة عشرة من عمرها تدعى جنيفرا كنج منحدرة من أسرة موسرة وقد رفضته لتواضع حال أسرته ويُعتقد أن المؤلف أشار إلى تلك الحادثة في إحدى جُمَل رواية جاتسبي العظيم بعد أن وضع تحت المراقبة الأكاديمية في الجامعة، أيقن فيتزجيرالد أنه لن يتخرج بشهادة جامعية، فجعل يدرس على نفسه ويتلقى ثقافته من كتاب ونقاد معروفين.

وفي أكتوبر1917 التحق بسلاح المشاة برتبة ملازم ثان بينما كانت الحرب العالمية الأولى على وشك أن تضع أوزارها، فلم يقذف به إلى جبهات القتال في فرنسا، بل أفرز إلى معسكر فورت ليفنورث في مدينة كنساس انزاس في ولاية ميسوري حيث عاود الكتابة في ما تيسر له من وقت الفراغ وفي 1918 نقل إلى معسكر شيريدن قرب مدينة مونتجمري في ولاية ألاباماوهنا فرغ في ذلك العام من وضع أولى رواياته الرومانسي الأناني وهو ما يزال في المعسكرلكن أحد الناشرين رفضها، وطلب من فيتزجيرالد مراجعتها وإعادة كتابة أجزاء منها وتغيرت حياة هذا الشاب البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً إلى الأبد بعد أن التقى وأحب وخطب زيلدا ساير شابة في الثامنة عشر وفارقة الجمال وتنتمي لطبقة اجتماعية راقية، فهي الابنة الصغرى وأبوها قاض بالمحكمة العليا لولاية ألاباما لكن تحرقها الطاغي للثروة واللهو والترف حدابها إلى تأجيل مراسم الزواج إلى أن يتمكن خطيبها من إثبات مقدرته على توفير أسباب العيش الرغيد لها.

وبعد تسريحه من الخدمة العسكرية عام 1919 انتقل فيتزجيرالد للعيش في نيويورك ليعمل مع إحدى وكالات الإعلان ليؤمن حياته ومع نهاية يونيو 1919 كانت زيلدا قد سئمت الانتظار، ففسخت الخطوبة ثم ترك العمل في مجال الإعلانات في 1919وعاد لسانت بول وعكف على إعادة كتابة روايته، الرومانسي الأناني، فأنجزها ودفع بها إلى الناشر الذي قبلها بعنوانها الجديد هذا الجانب من الفردوس، ومع نشر الرواية عام 1920، أصبح فيتزجيرالد شخصية أدبية مرموقة فتيسر له دخل مادي كاف مكّنه من إقناع زيلدا باتمام مراسم الزواج في مدينة نيويورك، إذ أن نشر الرواية كان يعني النجاح الباهر والمال والشهرة،فعاشا حياة باذخة مترفة وكأنهما شخصيتين بعثتا للحياة من إحدى رواياته العديدة التي كتبها في ما بعد، لا سيما رواية جاتسبي العظيم.

وفي عام 1921 رزقا بطفلة وحيدة وفي 1924 غادرا بيتهما في لونج آيلند ليستقراعلى الريفيرا الفرنسية ولم يعودا إلى الولايات المتحدة ليستقرا تماماً حتى1931 وأثناء إقامتهما في فرنسا روايته جاتسبي العظيم في 1925ورغم أن هذه الرواية تعتبر أروع ما كتبه فإن جمهورالقراء لم يحتف بها عند صدورها مما سرع في تدهورحياته الشخصية وتكرارالشجار بين الزوجين وأوقعه الإسراف في معاقرة الخمر في مشكلات مالية، زادها إخفاق أعماله الأدبية الأخرى.

وأصيبت زيلدا بأول انهيار عقلي عام 1930 بينما كان فيتزجيرالد يصارع إدمانه على الكحول الذي أعاق قدرته على معاقرة الكتابة، وقضي معظم وقته في كتابة القصص القصيرة التي كانت موضع طلب من المجلات التي ازدهرت صناعتها في ذلك الحين وأدخلت زوجته لأكثر من مصحة للأمراض العقلية في فرنسا وسويسرا بين إبريل 1930 وسبتمبر 1931 ورغم أن فيتزجيرالد بقي متزوجاً من زيلدا حتى النهاية، فإن مرضها العقلي قد أعاد صياغة زواجهما، فزيلدا كانت بحاجة إلى قدر من العناية أكبر بكثير مما كان بمقدوره تقديمه، وكان عليه أن يعمل ليل نهار لتوفير تكاليف العلاج لها.

ومع تفاقم حالتها الصحية وفي فبراير 1932 بقيت في إحدى مشافي الولايات المتحدة لمدة أربعة أشهر ثم في يناير 1934 أدخلت مصحة أخرى وبقيت تخضع للعلاج حتى موتها في حريق عام 1948وفي 1934 نشر فيتزجيرالد روايته لطيف هو الليل وباع مجموعات من قصصه القصيرة إلى الصحف إلى أن أقيل من عثرته إلى الحد الذي مكنه من الذهاب إلى هوليوود لكتابة سيناريوهات أفلام للسينما عام 1937 ليتعرف هناك إلى ناقدة سينمائية تدعى شيلا جراهام التي ساعدته على استئناف الإنتاج الإبداعي والتي أمضى معها آخر سني حياته ألهمته هذه التجربة كتابة آخر رواياته وأكثرها نضوجاً وهيعشق آخر أباطرة المال وقد توفي «زي النهارده» في 21 ديسمبر 1940 قبل أن يتمها، وبعد وفاته أعاد النقاد تقييم أعماله والاعتراف به كواحد من أكثر الكتاب الأمريكيين إبداعاً في القرن العشرين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية