الحياة خيارات. والصعوبة أن تكمل ما بدأت. وتتمسك بما آمنت. هكذا عرفت د. إبراهيم بدران. الذى تتسع سيرته ومسيرته المهنية والأخلاقية لكتاب من الحجم الكبير. لما فيها من غنى وثراء نادر. أحوج ما نكون إليه فى مثل هذه الظروف. فى كل المناسبات التى عرفته فيها وجدته متواضعاً إلى حد الشموخ. بسيطاً إلى حد الإبهار.
ففى اجتماعات مجلس أمناء جامعة النيل عمرو موسى يجبرك على الاحترام. إبراهيم بدران يجبرك على الخشوع.
رحل خادم العلم كما كان يسمى نفسه. عاش ومات متمسكاً بمبادئه. لم يساوم عليها. لم يتنازل عنها.
وفى أحد الأيام قال أنا غير مقتنع بالعلاج على نفقة الدولة. تصريح د.إبراهيم بدران الذى يصفونه بأنه أنجح وزير صحة فى مصر. كلفه الكثير. وهاجت الدنيا ضده وهاج مجلس الشعب آنذاك، لأنهم لم يتسن إليهم الاستماع للدكتور بدران جيدا. الذى كان يرى أن العلاج على نفقة الدولة لا يصل إلى أصحابه. مثله مثل الدعم. وأنه باب من أبواب الفساد. كان مقتنعا أن الأولويات فى أن يغطى التأمين الصحى كل المصريين، كان مؤمنا بأن الارتقاء بمستوى الوحدات الصحية والمستشفيات وبالعاملين فيها هو الأهم. دفع بدران ثمن موقفه بالخروج من وزارة ممدوح سالم. ومع ذلك ظل يردد قناعاته دون خوف أو تردد.
فى أعقاب هزيمة 67 بدأ نزيف الهجرة بين العلماء وأساتذة الجامعات فى مصر. كان هناك ما يزيد على 500 طلب سنويا يقدم للمجلس الأعلى للجامعات للموافقة. كان بدران عضواً فى المجلس. قال لابد من وقفة. إننا نخسر المستقبل. بدأ فى عمل محاضرات ولقاءات مع الأساتذة. أقنع الكثير منهم بالعدول عن تلك الخطوة. ووقف فى مجلس جامعة القاهرة ذات يوم ودعا الأساتذة إلى محاربة هذه الظاهرة بكل قوة.
تعرض بدران لاختبارات صعبة طوال مسيرته. لكن لم تكن هناك لحظة أصعب على نفسه من أن يرى المجمع العلمى يحترق. كما يقول فى حوار سابق له. وفى اليوم ذاته توفى د. محمود حافظ رئيس المجمع العلمى. أقرب صديق له. فكانت الخسارة مضاعفة. ومنذ اللحظة التى تولى فيها بدران رئاسة المجمع العلمى. أصر على ترميمه وعودته لما كان عليه. وفى أزمة جامعة النيل وقف هذا العالِم بقامته يوجه رسالة للدكتور زويل. رسالة من عالِم إلى عالِم. «أبوس إيدك اترك جامعة النيل». ولا أنسى جملته الشهيرة التى ظل يرددها طوال حياته أنا خادم للعلم وليس للسياسة.