x

عباس الطرابيلي الوفد.. ما أردت إلا إصلاحاً عباس الطرابيلي الجمعة 18-12-2015 21:47


حرصى على الوفد وتاريخه ومبادئه وأفكاره، هو الذى يجعلنى أتحدث عما يعانيه هذا الحزب العتيد، الذى كان، بلا أى منازع، هو حزب الشعب الأول منذ حوالى قرن من الزمان. وخير لنا نحن كل الوفديين أن نتولى علاجه على أيدينا، من أن يتولى هذه المهمة حاقد أو حتى وافد جديد، أو حتى وافد.. وسيط!!

ولا أحد يستطيع أن يساوم على وفديتى، فأنا وفدى منذ عام 1950 عندما كنت طالباً بمدرسة دمياط الثانوية.. وكنت وفدياً وسط تجمع سعدى، وأغلبه حر دستورى بحكم ولاء أبناء دمياط لأسرة العلايلى التى كانت تتناوب النيابة فيها حتى قبل دستور 1923.. وكانت دمياط منقسمة بين الوفديين، وأكثرهم كانوا صُناع الأحذية وكانت أفضل صناعة فى دمياط، وكانت هى قلعة هذه الصناعة فى مصر كلها.. وبين أحرار دستوريين، وهم صُناع الحرير، وكانت أهم ما تشتهر به المدينة.

أقول لا أحد يساوم على وفديتى. وعندما رشحنا أستاذنا مصطفى أمين- مصطفى شردى وجمال بدوى وأنا- لإصدار أول صحيفية وفدية بعد عودة الحزب للحياة، عندما رشحنا عميد الصحافة لفؤاد باشا سراج الدين لنقوم بهذه المهمة الفدائية.. لم نتردد، رغم أنه كانت لنا مناصبنا فى صحف دار أخبار اليوم منذ عدنا من أبوظبى. وعندما تم ترشيحى قال لى العزيز مصطفى شردى إننى بذلك سوف أفقد منصبى فى أخبار اليوم مسؤولاً ومديراً لتحرير أول مجلة اقتصادية بترولية جديدة، تصدر عن الدار بترشيح من أستاذنا موسى صبرى، وتأكيد من كل أعضاء مجلس الإدارة، وكان ردى: كله يهون من أجل الوفد، وأن نمكنه من عودة كاسحة له، بكل أفكاره ومبادئة العريقة التى تربينا عليها.. ثم إننا سوف نُصدر صحافة جديدة.. رائدة. نوفر للقارئ فيها حقه فى أن يعرف، وألّا نحجب عنه معلومة واحدة.. إلا ما يتعلق بالأمن القومى وحده دون سواه.

وأتذكر هنا واقعة، بعد جلسات حوار ممتدة مع الباشا فؤاد سراج الدين، فى غرفة طعامه التى حولناها إلى مقر لمجلس التحرير المتنظر أو حتى فى غرفة نومه، وكنا نتحلّق حوله إلى ما بعد منتصف الليل.

إذ قلت للباشا- وهذا منشور بجريدة الوفد فى حياة الباشا- قبل أن نبدأ العمل الفعلى فى إصدار الوفد الأسبوعى (فى مارس 1984)، أريد أن أسأل سؤالاً: كم من مساحة الجريدة الجديدة يُخصص لأخبار الحزب ورئيسه.. وكم يُخصص لأخبار الشعب؟ وأجاب الباشا بسؤال- كعادته- وأنت يا عباس، كم ترى هذه النسبة وتلك؟ هنا قلت للباشا 10% فقط لأخبار الحزب ورئيسه، والباقى للشعب.

وانتفض الباشا وهو يكاد يُحطّم «بانورة» مائدة الطعام، ويقول: ده كلام فارغ. ده تهريج. وهنا توقعت أن يقترح الباشا نصف مساحة الجريدة لأخبار الحزب الجديد- العريق- العائد بعد عصر تكميم الأفواه طوال العصرين الناصرى والساداتى، ولكنه حسم الأمر: بل 5% فقط من المساحة للحزب أو نصف عمود لا أكثر. هنا تبسمت وقلت على الفور: هنا يا معالى الباشا أقبل استمرار عملى فى الوفد الوليدة!! وهذا كتبته فى عمودى فى حياة الباشا، حتى لا يتهمنى أحد بالنفاق أو الادّعاء.

وبالمناسبة.. كنت الصحفى الوحيد فى الجريدة الذى يكتب مقالتين فى كل عدد. أُولاهما «لكل المصريين»، والثانية «قضية للمناقشة»، وعندما صدرت الوفد كأول صحيفة وفدية يومية – بعد العودة – وكنت أنا مَن حدد يوم 9 مارس 1987، وهو يوم اندلاع ثورة 19، أكتب مقالًا يومياً، ومن اليوم الأول، بعنوان «هموم مصرية»، ثم فاجأنى فؤاد باشا عندما طلب مِنى أن أكتب مقالًا آخر فى أعلى الصفحة الأولى عنوانه «رأى الوفد»، أى أن الباشا اختارنى لكى أصبح المتحدث عن رأى الحزب والمعبر عن أفكاره ومبادئه.. وظللت أفعل ذلك سنوات عديدة.. حتى أطلق علىّ كل الوفديين لقب «مؤرخ الوفد»، وكثيراً ما ائتمننى على كثير من أسراره وأسرار الوفد، قديمه وجديده.

هذه مقدمة لابد منها قبل أن أخوض فى حال وحالة حزب الوفد الآن، فقد صدمتنى هذه الحالة، قُبيل اندلاع ثورة 25 يناير.. ثم مع أيامها الأولى. وتعجبّت، كيف لا يتصدر هذا الحزب الشعبى الأول، ليس فقط لتاريخه العريق، ولكن لمبادئه وأفكاره.. وريادته الليبرالية وأسلوبه الديمقراطى الذى نشأ عليه.. فضلاً عن كونه أقدم حزب فى الشرق كله.. حتى تعلّم منه الزعيم الهندى غاندى..

وكان هذا التقاعس وراء الفراغ الرهيب الذى عاشته وتعيشه مصر من 25 يناير 2011. وكان هذا التقاعس نفسه وراء نشوء أكثر من 100 حزب فى مصر. فهل هذا يجوز، وأليس ذلك الفراغ هو الذى مكّن الإخوان من القفز على السلطة والساحة.. واستولوا على مقاعد الحكم..

كان الوفد هو المؤهل، لأن بيته هو بيت الأمة المصرية. وهو الوحيد فى مصر الذى يمتلك مقارّ لمكاتبه فى كل محافظات مصر، أى كان يمكن أن يتحول كل مقر منها إلى بيت للأمة تشتعل فيه الثورة ليقودها هذا الحزب العريق.. لماذا لم يحدث ذلك؟ إلى الغد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية