في التراث الشعبي الغنائي ورد ذكرها عابرا، دون تفصيل لحكايتها أو تفسير لإصابتها. القطة العامية تمشي جانب الحائط لتفادى الاصطدام بأي شيء، وتموء كثيرا كي تلفت الانتباه إليها، فلا يركلها المارة، وتحب أن تظل مع البشر لأنهم يأمنون لها الغذاء. أستطيع إحصاء تقديم ثلاثة روايات عن هذه القطة التي كانت عادية، ثم فقدت بصرها وتحول سلوكها.
الروايات الثلاث ترجح أن مالك القطة تسبب لها في العمي، إما خطأ أو عمدا. وفي الروايات الثلاث تقنع القطة نفسها أن المالك يعاملها جيدا!.
الرواية الأولى أن رجلا أخذ القطة وهي حديثة الولادة، التقطها من كنف أمها قائلا: "هذه المسكينة ربما لن تجد من يعتني بها إذا تركتها. أنا أصلا لا أحب القطط، لكن الواجب يدفعني أن أراعيها حتى تكبر، سوف أتركها فور أن تكبرا".لعل الرجل كان كريما في البداية، لكنه لم يجد ما يربحه من الإنفاق على طعام القطة، وبدأ يقدم لها بقايا وجباته، فتأكله. ثم يقدم الفاسد من وجباته، فتأكله أيضا، كانت ترى أن أكل مع مرض خير من جوع بلا صحة.
توالت الأيام، وزاد عمرها مع هذا الرجل. ويوما تلو الآخر، تقنع القطة نفسها بأن الشخص الذي أخذها ليرعاها سوف يأتي لها بالطعام الجيد، فهو بالتأكيد ادخر أموالا كثيرة طوال السنين، بحيث يستطيع الإنفاق على رعايتها. وعند اشتداد الضيق، كانت القطة تقنع نفسها أنه لا مشكلة، المالك كان يعاملها جيدا، بدليل أنه طوال هذه السنوات ما تزال على قيد الحياة رغم مرضها المتكرر!
وفي لحظة من تلك التي كانت تقنع فيها القطة نفسها بأنها قيد الرعاية، تواردت خواطر الاثنين، فالرجل- أيضا- رأى أنه احتفظ بالقطة سنوات، هذا الاحتفاظ يعني أنها في حال جيد. وبدأ يبحث عن حل يعفيه من تكلف العناء لمهمة رعاية القطة، يجعله فقط محتفظا بها،طالما أن الاحتفاظ مرادفا للرعاية. ووجد الرجل أن يرسم على الحوائط الأشياء التي تحبها قطته، بذلك سوف تجد هي ما تريد، ويرتاح هو من فعل ما لا يريد، فلا يكون مضطرا لشراء أو إعداد أي طعام، أو اللهو معها أو أي شيء فعله أو لم يفعله.
اختار الرجل غرفة في البيت، ورسم على كل جدار فيها شيئا تحبه القطط. كان الرسم متقنا وملونا، بحيث يبدو حقيقيا. وظلت القطة تجري على كل صورة معتقدة حقيقتها، فما تلبث أن يصطدم رأسها بالجدار، إلى أن حدثت المرة التي أصيب فيها بالعمى... القطة تلوم نفسها ، لأنها كانت على مقربة مما تحلم، ولا تلوم مالكها، إنما تعتقد أنه من قربها مما تريد.
ثاني الروايات عن (القطة العامية) أنها كانت في حيازة أحد العاملين في السيرك، بعد أن طلبه منه زملاءه في السيرك أن يأتي إليهم بالقطة، ليستخدموها في عروضهم المبهرة أمام الجمهور، كانوا يرددون "نحن نتعرض كثيرا إلى عضات مؤلمة من الأسود والنمور، لو أننا آويناهم صغارا لما حدث ذلك". واقنعوا الرجل،- وغيره من فريق السيرك- أن القطة هي أصل الأسد والنمر. وردد الجميع "قطتي صغيرة.. واسمها نميرة" واتخذوا ذلك شعارا.
يقدم الرجل إليها طعام الأسود، وينتظر أي تحول شكلي أو سلوكي لها، فلا يجد. رأي أصحاب السيرك عدم الانتظار حتى تصير القطة أسدا، وقرروا أن يكون الاعتناء بالقطة على طريقة الأسود فقرة في ذاتها. بحيث يخرج الرجل على الجمهور وهو يطعم القطة مرة، وهو يحبسها في القفص الكبير مرة.. وهكذا.
بالطبع لم تكن القطة تفهم ما يريده منها أهل السيرك، هي لم تخالط الأسود لتعرف كيف يتصرفون، تعرف فقط أن اللحم الذي يقدمونه إليها هو طعام الأسد والنمر، وأنها سوف تتحول لمثل هذه الكائنات يوما ما. تأكل القطة وتحاول الزئير فلا تستطيع إلا المواء الغريب.
وفي يوم ، اقتربت من صاحبها الذي بدا محبطا، حاولت أن تثبت لها اجتهادها في التحول إلى أسد، لكنه لم يلتفت إليها. أمسكت يده بين فكيها كما تفعل القطط، لكنها كانت عضة قاسية، زجرها الرجل وصرخ، فجاء أصحابه، وركلها أحدهم بعنف، وكانت هذه هي الحادثة التي أفقدتها الرؤية. وباتت القطة تقنع نفسها أن المالك وأهل السيرك كان يعاملونها جيدا، على الأقل كان يحملون لها طموحا كبيرا، أن تصيرا أسدا.
آخر الروايات عن (القطة العامية) أنها كانت لرجل يبالغ في إظهار تواضع شخصه وسعادة حاله، أخذها –وقد كبرت قليلا- وقال "هذه القطة البائسة تحتاج إلى الحنان، سأكون مالكها الحنون". كانت القطة تسعد بلمسات الرجل على فرائها، لكنها تفتقد الرعاية الحقيقة، فهو لا يأخذها للطبيب حال مرضها، ولا ينظفها، هو حتى لا يقدم لها الطعام دائما.
كانت القطة تتجول كثيرا في المنزل الذي لم يكن فيه سوى مالكها، وهو ما أثار قلق الرجل، الذي ظنها تحاول الهرب. صرخ فيها مستنكرا:"هل هذا جزائي؟ هكذا يكون عاقبة إنقاذي لك من وحناني المفرط عليك؟!". وطرأت له فكرة لمعالجة ما اعتبره محاولات هروب القطة. الفكرة هي أن يضع أمام عينيها الباب، قام برسم صورة بوابة خروج عريضة، قطع الصورة إلى نصفين، ولصق واحد على كل عين للقطة.
القطة تقنع نفسها أنه لا مشكلة، المالك يعاملها جيدا، على الأقل لا يمنعها شيئا، ويترك لها باب الخروج مفتوحا على مصراعيه!