أكيد، كان فؤاد باشا سراج الدين قد رأى أن الدكتور نعمان جمعة، عميد الحقوق السابق، أفضل من شقيقه ياسين بك سراج الدين، فيمن يصلح ليجلس على مقعد رئاسة حزب الوفد من بعده.. ولذلك عيّن الدكتور نعمان نائباً أول للرئيس - فى حياته - بدلاً من أخيه.. رغم أن ياسين بك كان من شباب الوفديين الذين دخلوا البرلمان عام 1950، وكان أيامها من أصغر النواب سناً.. ولكنه أيضاً - وهذا هو المهم - كان يعرف عشق شقيقه للمال والشركات والمحال التجارية.. أى «ربما» يُغلّب مصالحه المالية على مصالح حزب الوفد، فيما لو أصبح رئيساً للوفد.. بحكم أن ياسين بك من الأسرة التى أُضيرت كثيراً بسبب عملها السياسى وربما كان يحلم باستعادة أو تعويض خسائره المادية.. ولهذا اختار فؤاد باشا الدكتور نعمان نائباً أول يعطيه فرصة أكبر لتولى رئاسة الحزب، أى أن الباشا - وهو الزعيم - ببصيرته النافذة فضّل مصالح الحزب على مصالح شقيقه.. ولهذا لا غرو أن كان زعيماً لكل الوفديين.. حتى الآن.. أى ببساطة، هناك فرق!!
وإذا كان الدكتور نعمان رئيساً «إدارياً» ناجحاً للحزب بدليل أنه نجح فى المحافظة على أموال الحزب وودائعه، بل قام بتنميتها بامتياز إلا أنه تم استدراجه إلى مستنقع انتخابات رئاسة الجمهورية منافساً للرئيس مبارك وكذلك لأيمن نور.. وآخرين، واعتقد الدكتور نعمان - وكان من المعتزين كثيراً بنفسه وإمكانياته - أنه يمكن أن يشرح أهداف ومبادئ الوفد مستغلاً هذه الانتخابات - وهذا فى مصلحة الحزب بلا جدال - وأنه سوف يحصل على المركز الثانى بعد مبارك مباشرة.. ولكن مؤسسة الرئاسة - وغيرها - لعبت لعبتها وأعلنت أن أيمن نور بكل من كانوا وراءه جاء بالمركز الثانى متقدماً على الدكتور نعمان - وبالتالى على حزب الوفد العريق - وكانت هذه اللطمة قاسية، بل ومقصودة، لإضعاف الوفد جماهيرياً، وكذلك مالياً.. إذ إن هذه الحملة الانتخابية كلفت الوفد ما يقرب من عشرة ملايين جنيه.
أقول ذلك لأن الدكتور نعمان كان موقفه واضحاً من البداية.. وترك لنا، نحن أعضاء الهيئة العليا، اتخاذ قرار ترشحه للرئاسة من عدمه.. وهكذا تم سحبنا إلى فخ ضرب الوفد نفسه، أكثر مما ضُـرب الدكتور نعمان.. رغم أن الجولات التى قام بها فى المحافظات أعادت الحزب إلى الشارع المصرى بطريقة أكبر، وتواجد أفضل، ولكن هذه اللطمة كانت موجهة للوفد نفسه.. وربما دعماً لأيمن نور وحزبه الوليد، الذى اشتق حتى حروف اسمه.. لتشبه الوفد!!
ثم كان ما كان بثورة الوفديين لتصحيح مسار حزبهم العريق.. وما تبعها من تولى الدكتور محمود أباظة رئاسة الحزب فى عملية ديمقراطية أحيت فى الوفد ليبراليته القديمة، وأنعشت منهجه الأصيل، بل هناك من يشبه فترة تولى محمود أباظة للرئاسة بالفترة الليبرالية العظمى للوفد التى تولى فيها الحزب حكم مصر من يناير 1950 إلى يناير 1952.
وللأسف جرفتنا الأحداث والثورات.. ودفع محمود أباظة ثمن ليبراليته وديمقراطيته.. ولسنا هنا فى مجال بحث الأسباب.. ولكننا نحاول أن نتذكر لنتعلم.. وعاشت مصر - وعانت - كما عاش الوفد وعانى الوفديون - من فترات صعبة.. تبعتها ثورة 25 يناير ثم كارثة تولى الإخوان حكم مصر.. فكانت ثورة 30 يونيو.
لكل ذلك - وبسبب تجاوز الأحداث لحركة حزب الوفد، وعدم قدرته السريعة على قيادة ثورة الشارع المصرى ومسبباتها - نشأت عشرات الأحزاب، بعضها لا يتذكره الناس، ولكن هذا التعدد الحزبى نتج عنه تشتت الرأى العام، وبالتالى تفتيت أصوات الجماهير الانتخابية.
وبعيداً عن مشاكل الحزب الداخلية الآن.. وعن ضياع أو إنفاق أمواله التى تركها فؤاد باشا، وحافظ عليها بقدر الإمكان الدكتور نعمان جمعة.. والصراعات الحزبية التى جعلت الرئيس السيسى نفسه يتدخل لمحاولة حلها.. ثم فشل كل الحلول، تبقى أمامنا عدة أسئلة شديدة الحيوية أهمها: كيف أن الوفد لم يستطع أن يقوم بدوره المطلوب منه تاريخياً وقومياً فى قيادة ثورتى مصر الأخيرتين، وهو ما أدخلنا الآن فى دوامة غياب حزب قوى يملك الأغلبية البرلمانية التى تسمح له ليس فقط بتشكيل الحكومة.. ولكن حتى بقيادة مؤثرة للأحداث الجارية فى البلاد.
وهل ضاعت تلك الفرصة الذهبية لكى يقود الوفد - كما عهدناه دائماً - الحركة الوطنية، ليعمل مع رئيس وطنى للبلاد.. وليحملا معاً مفتاح التقدم.. نعم، هل راحت الفرصة الذهبية.. ولماذا؟
هذا هو لُبّ موضوعنا غداً، إن شاء الله.