x

محمد نور فرحات حضرات النواب المحترمين: اعتذاركم للشعب واجب! محمد نور فرحات الخميس 17-12-2015 21:26


هذا خطابى إلى أعضاء مجلس النواب الموقّر على مسمع من الشعب، مصدر السيادة، وفقاً للدستور. التصريحات التى صدرت عن عدد من الفائزين بعضوية المجلس (لم يحلفوا القَسَم ولم يصبحوا نواباً بعد) حول تكوين تحالف داخل المجلس يُسمى تحالف (دعم الدولة)، وقولهم إن هذا التحالف قد وقّع على وثيقته حتى الآن أربعمائة عضو من أصل ستمائة عضو يتكون منهم المجلس، بما يضمن لهم أغلبية مريحة لتمرير كل سياسات الحكومة، بل ولطلب تعديل الدستور، وأن أعضاء التحالف قد تعاهدوا على التخلى عن انتماءاتهم السياسية والفكرية والحزبية المسبقة فور أدائهم القسم. هذه التصريحات تُمثل إساءة واستهانة بقدر البرلمان والدولة والشعب معاً.

مصطلح دعم الدولة بدأ يتردد على ألسنة المسؤولين الرسميين وتابعيهم منذ أن بدأت مصر تتعرض لموجات عاتية للإرهاب. وترددت على الألسنة أيضاً مقولة حتى لا نكون مثل ليبيا أو سوريا (لا أدرى حقاً لماذا نستبعد نموذج الدولة التونسية أو الفرنسية رغم تعرضهما لموجات أشد من الإرهاب)، فهل كان المقصود اتخاذ الإرهاب ذريعة لإقامة دعائم نظام يدّعى الديمقراطية ويتحايل عليها ويصطنع مؤسساتها ويفرغها من مضمونها؟ هذا بالضبط ما فعله مبارك، فلا هو قضى على الإرهاب ولا هو أقام دولة قوية. بداية أقول لأعضاء مجلس النواب، من اشترى مقعده بأمواله أو بمبادئه أو بولائه المطلق للأجهزة، أقول لهم إن تشكيل هذا التحالف ينطوى على إهانة للشعب ولزملائهم الذين لم ينضموا للتحالف، فضلًا عن تضمنه حنثاً بالقسم الذى سوف يقسمون عليه.

تحالفكم ينطوى على إهانة للشعب، لأنه لم ينتخبكم لدعم الدولة، فهو شعب بطبيعته داعم للدولة، والدولة فى تعريفها القانونى هى الإقليم والشعب والسيادة، ولعلكم تقصدون بدعم الدولة دعمكم للحكومة أياً كانت سياستها، ولم ينتخبكم الشعب لذلك، وإنما انتخبكم لتكونوا أمناء على الدستور، ولكى تمارسوا التشريع باسم الشعب ولصالحه، أياً كان موقف الحكومة من هذا التشريع. انتخبكم الشعب لتراقبوا الحكومة فتعينوها إن أحسنت وتقوّموها إن أساءت حتى لو استلزم التقويم سحب الثقة منها. أنتم فى مقاعدكم (أياً كانت طريقة شغلكم لهذه المقاعد) لا تمثلون فقط من انتخبوكم (وهم فى مجموعهم خُمس المقيدين بالجداول) وإنما تمثلون الأمة المصرية بأكملها: من يؤيدونكم ومن يعارضونكم، ومن يؤيدون رئيسها ومن يعارضونه، ومن يوافق على سياسات حكومتها ومن يعترض عليها.

وأنتم بهذا التحالف تفقدون مشروعية بقائكم فى المجلس وجلوسكم على مقاعدكم. فسوف تحلفون بالله العظيم أن تكونوا مخلصين للوطن، وأن تحترموا الدستور والقانون، وأن ترعوا مصالح الشعب رعاية كاملة. والإخلاص للوطن يعنى دعم الحكومة إن أصابت وتقويمها إن أخطأت. واحترام الدستور والقانون يعنى الوقوف بحزم ضد كل ممارسات الخروج على الشرعية الدستورية أو نصوص القوانين النافذة. وتعنى أيضاً ممارسة رقابة حقيقية على التشريعات التى صدرت بقرارات بقوانين فى غيبة المجلس وإقرار ما يتفق مع الدستور والصالح العام ورفض أو تعديل ما يتعارض مع ذلك. وتخلّى نواب الشعب عن هذه الواجبات يعنى شيئاً واحداً: أنهم قد انتهكوا الدستور وحنثوا بالقَسَم.

أعرف أن الدستور الذى ارتضاه الشعب المصرى بأغلبية كاسحة تجاوزت أغلبية انتخاب رئيس الجمهورية وتجاوزت بالقطع الأغلبية التى جاءت بكم، هذا الدستور لا يروق لبعض دوائر الحكم التى تحرصون على رضائها. ولعل أهم ما يقلقكم وأنتم داعمو الدولة بالحق وغير الحق، هى تلك المواد التى تدعم سلطة البرلمان فى مواجهة السلطة التنفيذية. وتلك هى أحد المكاسب الحقيقية الثى تحققت حتى الآن من ثورة 25 يناير التى يعتبرها بعضكم مؤامرة. وغريب أن يوجد فى بلادنا برلمان يتلمّظ غيظاً من مادة دستورية تقيم توازنًا بينه وبين السلطة التنفيذية. نعلم أن دوائر بعينها تحرضكم على تعديل المادة، نعلم أنكم تسعون إلى تعديل المادتين 146 و147 من الدستور اللتين تفرضان رقابتكم على تشكيل الحكومة وتعيين وإقالة الوزراء.

ونعلم أن دوائر بعينها تحرضكم على تعديل المادة 161 من الدستور التى تجيز لكم بأغلبية خاصة سحب الثقة من رئيس الجمهورية بناءً على استفتاء شعبى، فإن رفض الشعب أصبح المجلس منحلاً. أتعرفون أيها السادة النواب دلالة هذه المادة؟ إنها تقنين لثورتى 25 يناير و30 يونيو. فبدلًا من أن يثور الشعب على الرئيس إذا ساد الاقتناع العام بفشله كما حدث مع مبارك ومرسى، وبدلًا من أن تعم الفوضى تطرحون أنتم الأمر على الشعب فى استفتاء، فإن كنتم قد أسأتم التقدير وخذلكم الشعب يُحل مجلسكم. ماذا يؤرقكم ويؤرق محرضيكم من هذه المادة التى تعد من أنبل ما تضمنه الدستور؟ أتعرفون أن المادة 20 من الدستور الألمانى تجيز للشعب حق المقاومة إذا ما خالفت السلطة الدستور وعجز عن تقويمها؟

أنتم تريدون إقامة تحالف يدعم الدولة. دعونا نناقش ذلك. أنتم تعرفون أن الدولة تتكون من سلطات ثلاث: تشريعية، وتنفيذية، وقضائية. طبعًا أنتم لا تفكرون فى دعم السلطة التشريعية، بل يشكو ممثلوكم من سعة اختصاصاتها فى الدستور. ولا تفكرون أيضاً فى دعم السلطة القضائية لأن دعمها يكون بإصلاحها، ولم يتقدم حزب من الأحزاب التى دخلت المجلس ولا أحد من المستقلين بمشروع محدد لإصلاح القضاء. أنتم تريدون دعم السلطة التنفيذية التى ما قامت ثورتا 25 يناير و30 يونيو إلا للحد من طغيانها وفسادها.

المسألة باختصار أن مؤسسات الدولة العميقة فى مصر تحاول أن تحرضكم على إقامة حزب وطنى جديد داخل البرلمان حتى يصدع البرلمان بما يُؤمر ويُعرض عن العارفين. ولكنكم تقيمون ظهيراً سياسياً هشاً بطريقة معكوسة عما فعل عبدالناصر والسادات. لقد أقام كل منهما ما تصوراه ظهيراً سياسياً لهما بالتنظيم السياسى الواحد الشمولى أياً كان اسمه، ثم جعلا البرلمان بعد ذلك صنيعة له. أنتم تفعلون العكس.. تقيمون البرلمان على أعينكم، ثم تُلحقون به ظهيراً سياسياً مفتعلاً. ففى ظل قانون لمجلس النواب بانت الآن نياته جاء برلمانكم ليقيم تحالفاً يدعم الحاكم إن أحسن أو أخطأ. نفس المشهد القديم يُعاد عرضه هذه المرة من نهايته. ونفس المقدمات لابد أن تؤدى إلى نفس النتائج. إنها عودة إلى تجارب الآخرين التى دفعوا ثمناً غالياً لها. فهل نريد أن نعيد تجارب فشلنا؟ أقولها بصراحة شديدة: رغم تقديرى مع شعبنا للرئيس السيسى، لأنه ومؤسسة الجيش انحازا للشعب مرتين، وأنقذا مصر من الفاشية الدينية، وحافظا على وحدة البلاد فى ظرف من أكثر الظروف صعوبة فى تاريخنا الحديث، إلا أننى أشارك قطاعًا من المثقفين والساسة الرأى أن مصر كانت بحاجة لفترة انتقالية يستمر فيها المستشار عدلى منصور رئيسًا منتخبًا لدورة رئاسية كاملة، ويتفرغ الجيش لواجبه فى الحفاظ على أمن البلاد وحمايتها من الإرهاب. فى هذه الفترة كان بوسع السيسى، الذى كان يتمتع وقتئذ بشعبية كاسحة، أن يدخل معترك السياسة ليتفرغ لإنشاء حزب سياسى ذى برنامج واضح المعالم، قوامه الأمن والتنمية والعدل الاجتماعى. وربما أصبح هذا الحزب حزب الأغلبية. كنت أتمنى ذلك. ولكن ما كان قد كان وقد أكون مخطئاً فى تقديرى، ولكنى أظننى على صواب فى اعتبار أن الذين ينادون بما يسمى تحالف دعم الدولة إنما يخطون بمصر خطوات واسعة نحو الفاشية.

هل لى أن أقترح عليكم تحالفاً آخر يرضى عنه الشعب ولا يوغر صدره تجاهكم: أنشئوا تحالفاً لدعم الدستور، واعتذروا للشعب عما كنتم تنوون فعله بنظامه السياسى بعد ثورتين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية