x

طارق الشناوي الإنسان قبل الإسلام «بلال بن رباح» يؤذن للحرية والتسامح والمساواة طارق الشناوي الإثنين 14-12-2015 21:13


لو شاهدت هذا الفيلم الذى تتهافت عليه حاليا المهرجانات الدولية والعربية وآخرها «أجيال» و«دبي»، وأنت تضع فى اعتبارك أنك تشاهد فيلما عن الصحابى الجليل (بلال بن رباح) الذى حرره اعتناقه الإسلام من العبودية فلن تجد أمامك هذا الفيلم، لو أردته فيلما عن الإنسان الساكن داخل بلال الذى يرنو للحرية والمساواة والعدالة فلقد أصبت الاختيار بلا شك.

الجيل الذى تعايش مع التليفزيون المصرى فى بداية إرساله مع مسلسلاته الدينية التى كانت هى الطابع المميز لشهر رمضان منذ الستينيات وحتى مطلع الألفية الثالثة، وبرغم فجاجة الطرح الفنى والدرامى والإخراجى على الشاشة فى القسط الوافر منها إلا أنها انتقلت إلى تليفزيونات العالم العربى، لترسم ملامح صورة ذهنية عن سيدنا بلال، استقاها من تلك المسلسلات، إنه العبد الأسود بجذوره الحبشية والذى أعتقه أبو بكر الصديق من الثرى الشرير أمية وحرره بعد سنوات لاقى فيها الكثير من العذاب والضرب بالسياط وتحمل وضع الحجر الضخم على صدره من أجل ألا يكفر بالرسالة المحمدية، تلك هى الصورة الراسخة فى ضميرنا، كما أن اسم بلال صار مرتبطا لدى كل المسلمين والعرب حتى من غير المسلمين، بهذا اللقب الذى صار لصيقا به «مؤذن الرسول» وكأنه ارتباط شرطى يذكر اسم بلال يصعد للذاكرة مباشرة لقبه «مؤذن الرسول»، فلقد كان حسن الصوت وتنقل كُتب التراث أنه تميز بأداء ساحر فى الوجدان الإسلامى للأذان، ولهذا طلب منه الرسول عليه الصلاة والسلام رفع الأذان وكثيرا ما أبكى بصوته مستمعيه وهم يزدادون خشوعا بعد أن سكنت قلوبهم نبرة صوته، وكان شديد الخجل كلما ازداد ثناء الحاضرين ازداد هو تواضعا.

بالطبع لم يصل إلينا الصوت الملائكى الساحر لبلال ولكن لدينا على المقابل خيال يتجاوز حتى كل ما هو متعارف عليه من الأصوات البشرية المعروفة، المعلومات الراسخة أن الإسلام هو الذى حرره من عبوديته بتلك المبادئ السامية والتى آمن بها ورأى فيها الخلاص من القيود العنصرية التى صنعها البشر، وتعذب كثيرا لكى يتراجع عن إسلامه وكانت كلمة «أحد أحد» المقصود بها التوحيد لله عز وجل، هى النداء الذى يكرره كلما اشتد لهيب السياط على ظهره ليتحملها صامتا، بيد أن فيلم «بلال» فى الحقيقة لا يقدم الإسلام ودوره فى إنارة طريق الخلاص للبشر، ليست هذه هى رسالة الفيلم، فهو يرنو إلى قيمة أخرى وهى رهان بلال على الحرية والعدالة والمساواة، صناع الفيلم أرادوا أن تُصبح القيمة مطلقة لأنها ليست فقط دعوة تبنتها كل الأديان ولكنها أيضا سابقة على الأديان.

بالطبع من الصعب أن تنفصل فى لحظات عن بلال الذى نعرفه لو كنت تحمل هذه الثقافة فى ذهنك، ولكن قانون الفيلم الدرامى والفكرى كان قائما على أن القيمة التى ينادى بها بلال هى الجديرة بأن يراها المتلقى، وهو بالمناسبة يوجه لكل الأعمار وليس الأطفال فقط كما قد يتبادر للذهن، وهكذا وفى اللقطات الأولى من الفيلم عندما حكت له أمه أن المبادئ السامية التى نولد بها ونحفظها فى قلوبنا كانت الحرية هى القيمة الأسمى، وبجوارها توافقت الإرادة لتحقيق العدالة التى تظل تسكننا إذا نحن امتلكنا القوة لتنفيذها والدفاع عنها، كانت تلك هى نقطة الانطلاق التى ترسم لنا زاوية رؤية الفيلم، بلال محمل مسبقا بتلك التعاليم، قبل إسلامه.

الشريط السينمائى يخلط بين الكابوس والواقع فهو يحلم بأن الغزاة يعتدون على قبيلته ويقتلون أمه ويبيعونه هو وشقيقته كعبيد وهو ما يتجسد بعد ذلك فى الواقع السينمائى.

الإسلام بالطبع صار عند البعض فى العديد من أنحاء المعمورة يساوى الخوف المرضى «الإسلاموفوبيا»، بسبب ما نقرأه من ممارسات داعش والقاعدة وبوكو حرام وطالبان وغيرها التى تتدثر عنوة بالإسلام، والفيلم أراد ألا يبدو مصنوعا من أجل تبرئة ساحة الإسلام، حتى يبتعد عن الجدل الذى سيلاحقه ويجد أنه قد أصبح تحت مرمى نيران المتعصبين من كل الأطراف والأديان.

هكذا أرى حرص صُناعه على أن تتجاوز الشخصية مجرد الدفاع عن الإسلام ليصبح بلال ابن الصحراء الذى دعا للتحرر، قيمة مطلقة، هذا هو ما يقدمه الفيلم وهذا هو قانون صانعيه، لا ذكر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولا الإسلام.

ورغم ذلك فلقد حرصوا على الحصول على موافقة الهيئات الإسلامية وخاصة الأزهر الشريف المتشدد فى مسألة التجسيد للأنبياء والرسل والمبشرين العشرة والخلفاء وآل البيت والصحابة، ولكن هناك تسامح فى تجسيد شخصية بلال التى أداها بالفعل عام 1953 الفنان يحيى شاهين، فى فيلم حمل نفس العنوان، أخرجه محمد الطوخى ـ الأزهر لم يعد يرحب مؤخرا مثلا بتجسيد شخصية خالد بن الوليد رغم أن الفنان حسين صدقى قدمها فى فيلم شهير عام 1958، أما فى فيلم «بلال» هناك تجسيد لسيدنا أبو بكر، ويظهر أيضا سيدنا على عليهما السلام فى لقطة عابرة، وهو بالمناسبة ما لا يقر به الأزهر حتى الآن.

لا نرى بلال فى الحقيقة كما تقول المراجع حبشيا مفرط الطول كث الشعر، قوى البنية.

الفيلم لا يقدم بلال حتى كما تصفه كُتب التاريخ الإسلامى، وهو ما حرص على التمهيد له فى «التتر» ليؤكد أنه لم يلتزم بكل التفاصيل لأنه ما يعنيه بالدرجة الأولى هو تأثير تلك الأفكار السامية التى آمن بها بلال على البشرية جمعاء، وهكذا رأيناه وسيما يميل للسمرة ولكنه ليس أسود.

الفيلم كما يطلقون عليه ينتمى إلى «الفن الثامن» الرسوم المتحركة ولكن هناك دائما ملمح بشرى فى تلك الشخصيات وفى نفس الوقت حرص المخرجان على أن يحاكيا الحيوانات بالصفات الشائعة التى تناقلتها الأجيال مع اختلاف الزمان والمكان، وهكذا مثلا فإن بلال هو الصقر ملامحه مستوحاة منه، وهو برغم من أنه من الطيور الجارحة إلا أنه مرتبط بالقوة الإيجابية فى الضمير البشرى، فهو لا يخدع ولا يبطش، بينما أمية هو الثعبان بكل ما يحمله من شر وتلون وتعطش لبث السموم وللقتل والخديعة، وفى مشهد مباشر يسبق قتل أمية على يد بلال نرى الصقر المعادل البصرى لبلال وهو يراقب الثعبان المعادل البصرى لأمية من أعلى الشجرة ثم ينقض عليه ويضربه فى مقتل ليصعد به مجددا فوق الشجرة، بلال لا يرتكب فعل القتل ولا الخديعة، إنها معركة حاول أن يتجنبها دون جدوى، وحتى تصل رسالة التسامح مباشرة ونقية فإنه عندما تصل إلى بلال خصلة من شعر أخته غفيرة دلالة على أن صفوان بن أمية قد قتلها فإنه يعفو عن صفوان ولا ينتقم، رغم أن السيف كان فى يده وصفوان بلا سلاح ومجردا من الحراس، ثم يكتشف بعدها أن أخته الوحيدة حية ترزق.

حرص المخرجان جوارم آلافى وأيمن جمال وهما أيضا قد شاركا فى الكتابة مع إليكس كرو نيمز ومايكل وولف على أن يظل الهدف الأساسى طوال زمن الفيلم هو القيمة التى يدافع عنها بلال.

الفيلم يمزج كثيرا من الأحلام للطفل وغفيرة ولا تتوقف الأحلام مع مرور الزمن، بلال يظل ممسكا مهما اشتدت الظلمة وتكاثرت الآلام فهو يظل متشبثا بأحلامه، ودائما هناك محاولة وإخفاق حتى نصل إلى النجاح حتى فى التفاصيل البسيطة، الفيلم يُعلى من قيمة المحاولة، فى البداية مثلا نراه يحاول أن يروض الحصان ليعتليه ويفشل عدة مرات ولكنه بالأخير ينجح فى أن يمتطيه باحترافية.

الفيلم فى إطاره بصريا يحرص على أن يتجاوز الإحساس العربى، أنت ترى شخصيات عربية بوجهة نظر غربية، ربما الشريط الصوتى بموسيقاه حاول فى لحظات أن يقترب من الإحساس العربى والتى شارك فيها أتلى أورفرانون وأدديلوالى أكينيتو وأيان ماشكين وتشاينا أو ماكلين ووجاكوب لا تيمور، ولكن الصورة تعكس فى رسومها إحساسا غربيا.

ويأتى مشهد الكعبة فى نهاية الفيلم وسقوط تمثال كبير الآلهة وكأنه يتماثل فى ذهن المشاهد مع أشهر مشهد علق بالذاكرة الإنسانية فى العالم فى السنوات الأخيرة وهو سقوط تمثال صدام حسين والذى كان حدثا عالميا مدويا فى حينه.

الفيلم ناطق بالإنجليزية ومع سبق الإصرار وربما نرى نسخة «مدبلجة» للعربية عند عرضه تجاريا فى مطلع العام فى عدد من الدول العربية، ولكن عليك ألا تنسى أنه يضعك أمام زاوية رؤية محددة على المستوى البصرى والتقنى والفكرى لترنو مع بلال للحرية والسلام والتسامح، بلال الإنسان قبل وبعد الإسلام، وربما يضع الأذان فى «تترات» نهاية الفيلم فى تلك النسخ الناطقة بالعربية… ربما

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية