اختلف كل المصريين حول ظاهرة الجمعيات والجماعات التى لها تشكيلات شبه عسكرية.. ونقصد بها القمصان الخضراء التابعة لجماعة- أو حزب مصر الفتاة - والقمصان الوفدية.. والغريب أنهم لم يتنبهوا إلى كارثة أخرى قادمة فى الطريق، هى فرق الجوالة التى كونها الإخوان المسلمون!!
وقد عرفت أوروبا هذه التنظيمات شبه العسكرية- للشباب بالذات- أيام حكم البلاشفة فى إيطاليا بزعامة بنيتو موسولينى، الذى اعتمد عليها للوصول إلى الحكم عام 1924، وظل حاكماً ديكتاتوراً لإيطاليا حتى عام 1943، وهى الجماعات التى أنشأها فى ميلانو عام 1919 وسرعان ما تحولت إلى الحزب الفاشيستى عام 1921، وبها وصل موسولينى إلى روما واستولى على الحكم وأجبر الملك على تعيينه رئيساً للحكومة.. وهو نفس الطريق الذى سلكه أدولف هتلر عندما أنشأ الحزب النازى عام 1919 أيضاً، وهو الذى أوصله إلى حكم ألمانيا، فهل كان أحمد حسين «يحلم» بأن يصبح موسولينى مصر.. أو هتلر مصر.. لذلك أنشأ جماعة القمصان الخضراء وأصبح كيانها موجوداً كحقيقة عام 1936، وهنا اضطر الوفد - دفاعاً عن نفسه - أن ينشئ جماعته غير العسكرية المسماة بـ«القمصان الزرقاء».. وإن كنت أراها سقطة من سقطات الوفد أيامها.
وبدأت فكرة القمصان الزرقاء الوفدية فى أواخر عام 1936، وكان بطلها، وصاحب فكرتها، طالب كلية الطب أيامها محمد بلال، وكان وقتها عضواً باللجنة التنفيذية للوفد، وقام بتأليفها من طلبة كلية الطب، كما قام زهير صبرى بإنشاء لجان للشباب الوفدى تهدف إلى تكوين جنود للوفد من العمال.
وفى مؤتمر كبير عقد يوم 5 يناير 1937، بالنادى السعدى القريب من بيت الأمة، أعلن عن تكوين فرقتين للطلبة الوفديين، هما فرقة عبدالحكيم الجراحى وفرقة طه عفيفى، وهما من الشهداء، وكان الغرض منهما تعويد الشباب على النظام والطاقة والإقدام.. والأهم للرد على إنشاء جماعة القمصان الخضراء التابعة لمصر الفتاة.. وكان الرئيس - أو الرائد العام - للقمصان الزرقاء هو الدكتور محمد بلال، وأخذت الجماعتان تتنافسان بالخروج فى مسيرات، كل منظمة ترتدى قمصانها وتمشى بالخطوة العسكرية المنتظمة فى شوارع القاهرة.. والإسكندرية.
ومن المؤكد أن شبهة «الفاشية والنازية» لحقت بكلا التنظيمين، وإن حاول قادة الوفد الدفاع عن القمصان الزرقاء بأنها قامت على فكرة الديمقراطية والسهر على الحياة الدستورية.
وللتاريخ تعرضت القمصان الزرقاء الوفدية لحرب شرسة، حتى من داخل حزب الوفد نفسه، وقاد هذا التيار محمود فهمى النقراشى وجماعته.. وأيضاً من أحزاب المعارضة والقصر الملكى والإنجليز، إذ كانوا يرون فيها خطراً عليهم كلهم، إذ لم ينقصها إلا حمل السلاح، وكانت معارضة النقراشى وجماعته من أسباب فصلهم كلهم من الوفد يوم 13 سبتمبر 1937، والغريب أنه فى يوم 28 نوفمبر 1937 أطلق شاب من أعضاء مصر الفتاة، هو عز الدين عبدالقادر، الرصاص على النحاس وهو فى طريقه من بيته بمصر الجديدة إلى مقر مجلس الوزراء بشارع قصر العينى، فلم يصبه الرصاص وإن تحطم زجاج السيارة والباب الأيمن.
وتدخل القصر الملكى وطلب حل جماعات القمصان الملونة كلها «الزرقاء الوفدية والخضراء التابعة لمصر الفتاة»، واستقالة حكومة النحاس الرابعة هذه فى 30 ديسمبر عام 1937، لتجىء حكومة محمد محمود باشا فوراً، وكان فى مقدمة نشاطها استصدار مرسوم ملكى بحظر الجمعيات والجماعات التى لها تشكيلات شبه عسكرية.. ويقصد بها القمصان الزرقاء الوفدية، والخضراء التابعة لمصر الفتاة.. والطريف أن هذا المرسوم لم يتعرض بالحظر لفرق الجوالة التى كونتها جماعة الإخوان المسلمين، لسبب بسيط، هو أن الجماعة كانت تعيش فى حضن القصر الملكى.
ورغم ذلك فإننى أرى القمصان الزرقاء من أكبر أخطاء حزب الوفد، مهما قيل إنها كانت للدفاع عن الديمقراطية.. إذ كانت تمهد لبروز التنظيمات شبه العسكرية.. فى حياتنا السياسية.
نعم من أهم أخطاء حزب الوفد وكانت أن دخلت مصر عصر حكومات اليد الحديدية، بقيادة محمد محمود باشا، الذى قال أو ادعى «أنا ابن من عرض عليه العرش.. فأبى»!!