من بين مئات الأخبار التي تضخها الوكالات يوميا وعلى مدار الساعة، لم أجد خبرًا ينطبق عليه مقولة «للمرة الأولى» سوى خبر مشاركة المرأة السعودية في انتخابات مجالس البلدية، كمرشحة وناخبة، وهي الانتخابات التي أجريت بالأمس (السبت) وحظيت بتغطية إعلامية واسعة واهتمام عالمي باعتبارها نقلة كبيرة في تعامل المملكة العربية السعودية مع حقوق المرأة، التي يمارس عليها تمييزا صارخا، حيث جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوهابية ذات التأثير في دوائر الحكم وصنع القرار، تعتبر المرأة عورة، وعليه فوصايتها عليها ومراقبتها والحد من حريتها من صميم عملها، المرأة في عرفهم شخص منقوص الأهلية .
حتى هذا اليوم المشهود كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تحرم النساء من حق التصويت، الرجال السعوديين أيضا لم يعرفوا الانتخابات قبل عام 2005 ولم يعرفوا معنى الديموقراطية، كان مجلس الشورى ومجالس البلديات يتم تعين أعضائهم من قبل الملك .
وفي عام 2005 أصدر الملك عبدالله رحمه الله قرارا بأن يتم انتخاب 50% من أعضاء مجالس البلديات، فكانت هذه أول انتخابات في تاريخ المملكة. والانتخابات الأخيرة هي لثلثي أعضاء هذه المجالس والثلث الباقي سيعينه الملك سلمان، وهو ما يعد تقدما ملموسا، لكن الأهم تنفيذ وعد الملك عبدالله للنساء، فلقد تعهد في ديسمبر عام 2011 أثناء الجلسة الاقتتاحية لمجلس الشورى، بأن تشارك المرأة السعودية كمرشحة وناخبة في انتخابات المجالس البلدية التي ستجرى هذا العام، بالإضافة لتعينها في مجلس الشورى.
وبهذا يعد الملك عبدالله أول ملك سعودي يعطى حقوق سياسية للمرأة السعودية منذ تأسيس المملكة، كما كان أول ملك يعين امرأة في منصب مساعد وزير.
ورغم أن المجالس البلدية محدودة المهام والتأثير إلا أنها الفرصة الوحيدة للسعوديين للإدلاء بأصواتهم والشعور بأنهم يشاركون باقي بلدان العالم في ممارسة اختيار من يمثلهم بأسلوب الاقتراع المباشر عن طريق صندوق الانتخابات، أما بالنسبة للنساء فلقد كانت لحظة تاريخية عبرت عنها سيدة سعودية لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، قائلة: «بكيت وأنا أدلي بصوتى لأنه شعور كنا نراه على شاشات التلفزيون، كنا نشاهد الناس في عملية الانتخابات والاقتراع، كنا نراها في الدول الأخرى ولا نمارسها». استوقفتنى هذه العبارة كثيرا، فثورة الاتصالات جعلت الشعوب تنظر لبعضها البعض، وتسعى لأن تتشابه في طرق الحياة والمعيشة وهو مازاد من إحساس التعاسة لدى البشر، وبالرغم من رغد العيش الذي تعيش فيه نسبة كبيرة من النساء السعوديات، والذي يحسدها عليه ملايين النساء حول العالم، فهذا لايخفف من إحساسهن بالظلم الواقع عليهن نتيجة تمييز الرجل عليهن في حقوق المواطنة.
السيدة السعودية قوية وذكية، لكن عبارة «ناقصات عقل ودين» مازالت تحكم الموقف الرسمي تجاههن، وتقف حاجز أمام منحهن أبسط حقوق إدراة حياتهن بحرية والتي تتمثل في قيادة السيارة، ولا أعتقد أن منعهن من القيادة خوفا عليهن ولكن خوفا منهن، لأن عدم الثقة في المرأة وقدرتها على إدارة حياتها، دون مراقبة، انتقاص من قدرها، هو أمر له مردود سلبي عليها، ومن ثم على أسرتها والمجتمع .
السعودية تشهد تغيرات كثيرة وأتمنى أن يصاحب هذه التغيرات وضع المرأة هناك والذي لايليق بقرننا هذا، وربما يكون 2016 هو عام إعطاء رخصة قيادة للسيارة للنساء.. ومايتبعه من حقوق.