عندما وصلتُ والوفد السياحى المصرى إلى مدينة شيكاغو كان فى استقبالنا السفير محمد أبوالدهب، قنصل مصر العام فى شيكاغو، وهو سفير من طراز خاص؛ يحمل أجندة طموحاً لنشر الثقافة المصرية، ودعوة الأمريكان للعودة إلى زيارة مصر، وهو يعلم جيداً أن سحر الفراعنة والآثار المصرية هما السبيل الأكثر تأثيراً لعودة السائح الأمريكى. ذكَّرتنى زيارتى لشيكاغو بما حدث لى فى هذه المدينة الصناعية المهمة للاقتصاد الأمريكى عندما زرتها فى المرة السابقة بمناسبة افتتاح معرض الفرعون الذهبى توت عنخ آمون، حيث كان جون رو- مالك شركة أوكسلون العملاقة- هو الممول والراعى الرئيسى لاستضافة شيكاغو لمعرض الفرعون الذهبى. وفى يوم الافتتاح تصادف وجود الرئيس بوش بالمدينة، ولذلك اعتذر «رو» عن عدم الحضور، وأرسل مساعده بدلاً منه. وأثناء المؤتمر الصحفى قام مساعد جون رو بإلقاء كلمته ففوجئ الجميع به يقول: «إن السيد جون رو يعتذر بشدة عن عدم الحضور.. ويريدكم أن تعرفوا أنه من أشد المولعين بمصر الفرعونية.. ومن شدة هذا الولع يحتفظ السيد (رو) بتابوت فرعونى داخل مكتبه!». عندها علَّقت على ما قيل لوسائل الإعلام، وقلت إننى أعارض بشدة وجود الآثار الفرعونية داخل المنازل أو المكاتب، وعلى السيد جون رو إرسال التابوت الذى لديه على الفور إلى متحف الفيلد بشيكاغو، ليتم عرضه ضمن الآثار الفرعونية بالمتحف. وذكرت أنه فى حالة رفض السيد رو فسوف أقوم برفع اسم شركته من الدعاية للمعرض كراعٍ رسمى. وفى البداية رفض جون رو إرسال التابوت إلى المتحف، ونشرت شيكاغو تريبيون رفضه، إلا أنه عاد وقَبِل مرغماً عندما وجد أننى جاد فى تهديدى برفع اسم شركته من وسائل الدعاية للمعرض، بعدها نشرت شيكاغو تريبيون نفسها وعلى صدر صفحتها الأولى مقالاً بعنوان «وانتصر الفرعون الحقيقى»، وقالت الصحيفة «إن نزاعاً على تابوت فرعونى نشب بين فرعونين، أحدهما أمريكى والآخر مصرى، وكانت الغلبة بالطبع للفرعون المصرى الحقيقى..».
ويوجد بشيكاغو أهم المتاحف الأمريكية التى بها مجموعة آثار مصرية، بالإضافة إلى وجود أهم قسم للمصريات لدراسة اللغة المصرية القديمة، الذى تخرَّج فيه أهم علماء المصريات، أمثال جون ويلسون. وقد أقامت المستشارة السياحية حفلاً دُعى إليه رجال الصحافة والسياحة والسياسة، وألقيت محاضرتى عن الفرعون الذهبى- توت عنخ آمون- ولاحظت مدى اهتمام وسائل الإعلام بما يحدث من دمار للآثار العراقية والسورية على يد الدواعش.. وكان السؤال عن مصير الآثار التى تُنهب من سوريا والعراق، والتى تذهب بالطبع إلى أصحاب المقتنيات الخاصة المستعدين دائماً لدفع الملايين نظير ضم قطع أثرية إلى مقتنياتهم.. وقلت لوسائل الإعلام إن العالم فى حاجة إلى أن يتحد لحماية التراث الإنسانى، وإن اليونسكو منظمة عرجاء لا تفعل شيئاً غير بيانات الشجب والاستهجان فى كل مرة يخرج علينا الدواعش بفيلم عن تحطيم التراث الأثرى ونهبه!! كل الدول بحاجة إلى التوقيع على وثيقة تحريم بيع ونقل التراث الأثرى، والالتزام بردِّه إلى الوطن الأم حال الكشف عنه.