x

إبراهيم الجارحي نظره على الطرف الآخر من النهر إبراهيم الجارحي الأحد 13-12-2015 22:30


بغض النظر عن الموقف المصري المعارض إجمالا لإنشاء سد النهضة الإثيوبي، وأقول بغض النظر لأن أي حديث عن مدى حاجة إثيوبيا لبناء هذا السد قد يعتبر دعاية إيجابية له، وهذا ليس مقصدا من مقاصد هذا المقال الذي أهدف منه إلى مجرد التعرف على الجانب الآخر الذي يحلو لنا استبعاده من المعادلة دائما ولو حتى على سبيل المعرفة والفهم.

عانت اثيوبيا قبل ثلاثة عقود من مجاعة راح ضحيتها عشرات الآلاف، وفي عام 1991 أطاح العسكر بقيادة الدكتاتور منجيستو هيلامريام بحكم الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي الذي عاد إلى حكم البلاد بسيطرة بنسبة مئة في المئة على مقاعد البرلمان الخمسمئة.

وفي السنوات الأخيرة عادت إثيوبيا إلى نموها الاقتصادي القوي مع توقعات من البنك الدولي بأن تكون إثيوبيا هذا العام الاقتصاد الأسرع نموا في العالم.

وهي في هذا السياق تدعم حكومة إثيوبيا التي تعتمد رأسمالية الدولة بنيتها الأساسية بقوة وعلى رأسها بنيتها التعليمية، والسدود التي تعتمد عليها لإنتاج الكهرباء، والمطارات التي تربط إقليمها المعزول طبيعيا ببقية العالم، ونظام القطارات الخفيفة العابرة للصحراء الأفريقية التي تقطعها عن العالم برا.

واليوم يعود الجفاف الشديد الذي أطاح بحكومات أفريقية قوية إلى تهديد الوثبة التي تتخذها إثيوبيا.

وتواجه اثيوبيا إضافة إلى ذلك انقطاعات في الكهرباء وانخفاضا في مستويات المياه المخزنة وراء السدود بعد موسم أمطار فقير، وأدى الجفاف في المناطق الشرقية للبلاد إلى عجز نحو ثمانية ملايين مواطن عن حد الكفاية من الغذاء واحتياجهم إلى المعونات العاجلة، أو إلى معجزة تسقط الأمطار في غير موسمها.

وتتوقع إثيوبيا بانتهائها من بناء سد النهضة العظيم – وهذا اسمه الرسمي – أن تزيد قدرتها على إنتاج الكهرباء بمقدار ستة عشر ألف جيجاوات- ساعة.

ولم تنس إثيوبيا أن حقيقة أن أكثر من ثمانية ملايين جائع فيها اليوم بسبب الجفاف تبعث أصوات المجاعة التي لا ترغب أديس أبابا في سماعها مرة ثانية، خاصة بعد أن ابتعد الاقتصاد الإثيوبي بكثير عن هذه الأجواء.

كما لا يغيب عن قادتها أن زراعتها تعتمد بنسبة تسعين في المئة على مياه الأمطار، وهي مشكلة كبيرة في عموم أفريقيا التي تعتمد على الأمطار أكثر مما تعتمد على أنهارها الغزيرة.

هذه هي الصورة العامة للاحتياجات التي تجعل سد النهضة الإثيوبي أولوية كبرى اقتصاديا وسياسيا بل واستراتيجيا، وهو تفسير لموقف إثيوبيا المتعنت في مفاوضاتها الجارية حاليا مع مصر بخصوص هذا السد.

أكرر أن هذه ليست دعوة للتعاطف مع إثيوبيا في احتياجاتها التي لا تجب رغبة مصر في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية المتعثرة أصلا، خاصة فيما يتعلق باحتياجاتها المائية، وأنها ليست سوى محاولة لتوضيح الموقف الإثيوبي عله يؤدي إلى تعديل التصور الذي على أساسه نعالج هذه الأزمة مع إثيوبيا.

وقد انتهت الأسبوع الماضي في الخرطوم جولة عاشرة من المفاوضات مع إثيوبيا لم تصل إلى نتيجة تذكر، وبدا لي أن إثيوبيا، التي ظهر تشددها في مواقفها على العصبية التي تصرف بها الوفد المصري بعد انتهاء جولة المفاوضات، تحاول استهلاك كل الوقت الممكن في المفاوضات بينما يجري العمل على قدم وساق في بناء السد.

ولا أتوقع أن تؤدي الجولة القادمة المقرر لها نهاية ديسمبر الجاري موعدا إلا إلى مزيد من التعنت من الجانب الإثيوبي، ومزيد من ضيق الصدر وضيق الحلول والبدائل من الجانب المصري، حيث الأغلب أن تواصل إثيوبيا سياسة شراء الوقت، على الأقل حتى تتخلى مصر عن سياسة النوايا الحسنة، وحتى تظهر قدرا مناسبا من الخشونة بديلا عن ترك إثيوبيا لضميرها الذي سيضع بالتأكيد ملايين الجياع من مواطنيها أمام ملايين الجياع المحتملين في مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية