ماذا تتوقع أن يحدث فى 25 يناير؟ سؤال تردد على استحياء فى الصيف، ودخلنا به إلى الخريف العابر، وتمدد فى الشتاء.
لا يلتقى اثنان إلا ويكون هذا السؤال شاغلهما. يطرحه الذين يقرأون الواقع بعقل ويعرفون ضخامة المعضلة السياسية فى مصر، ولا يعرفون لها مخرجًا، ويطرحه الغاضبون الذين يرون السيارة ترجع إلى الخلف دون فرصة للتنبيه أو المشاركة فى منع الاصطدام، ويطرحه الفرحون بالتمكين البرلمانى الذى يعلقون عليه استقرار مصالحهم التى ظلت مهددة طوال خمس سنوات؛ أما حكماء الفضائيات فقد فتحوا مزادًا للمراهنات، بعضهم تعهد بتصفية نفسه إذا حدث شىء وبعضهم طلب تصفية من ينزل للتظاهر، وعلى الجانب الآخر ارتفع صوت الإخوان بالغوغائية نفسها، يتوقعونها ثورة بعكس ما يتوقع حكماء الإعلام.
هكذا، وأيًا كانت درجة الوعى أو نزاهة الضمير، فالإجابات تأتى على ثلاثة وجوه: البعض لا يعرف ما سيحدث ويعتقد أن الشيطان نفسه لا يعرف، والبعض متأكد مما سيحدث، والبعض متأكد مما سوف لن يحدث!
ولا أحد يمكنه أن يجزم أى هذه الإجابات صحيحة، لكن هناك ما يجمع بين الإجابات الثلاث؛ فكلها تُبسط الصراع السياسى وتجعل منه مباراة تقام فى توقيت محدد وتعلن النتيجة فى نهايتها، ويمضى أحد الأطراف منتصرًا لتسجل له نقطة فى الدورى.
تحويل القضية إلى مباراة يطمس حقيقة الصراع السياسى بين فئة عريضة لها مطالب لم تتحقق وفئة صغيرة لا تريد أن تتخلى عما حصلت عليه. ومن الواضح أن السطح الاحتفالى الصاخب بنتائج مشروع اقتصادى أو الوعد بمشروع جديد لم يتمكن من التغطية على واقع الانقسام الوطنى، ولم تستطع الانتخابات البرلمانية الموصوفة بـ«آخر استحقاق فى خارطة الطريق» أن تكون عونًا فى تحجيم هذا الصراع، بل هى القطرة ما بعد الأخيرة الفائضة على كوب ممتلئ قبلها. وهذا التهاوش بين الائتلافات الفائزة لا يُقنع أحدًا؛ فليس هناك اختلاف حقيقى بينها يبرر الخلاف.
على أن العمق الحقيقى لعدم الرضا يظهر فى الشلل الذى نعيشه ولا يريد النظام الاعتراف به. الأغلبية الصامتة من صغار الموظفين فى مؤسسات الحكومة تعرف طريقتها فى الرفض والانتظار المجربة طوال عقود، وهى الإضراب الصامت وتعطيل ما بأيديها من أعمال بمختلف الحيل من التمارض إلى الإكثار من الصلاة فى أوقات العمل الرسمية. وللشرطة طريقتها العصبية فى الانتظار ببناء المزيد من الحواجز النفسية والخرسانية، وللغاضبين طرقهم التى ترى آليات الاحتجاج ولا ترى آليات الحكم، أما الوزارة فطريقتها فى الانتظار معروفة منذ 25 يناير 2011، إذ تتبع بيت الشعر الذى لا نعرف بدقة من قائله: مشيناها خُطى كُتبت علينا/ ومن كُتبت عليه خطى مشاها!
يمشى مجلس الوزراء الخطى كما تُكتب عليه، معظم أعضاء المجلس يقضى وقته فى اكتشاف مزايا اللقب وانتظار اللقب الأكثر أمنًا وسهولة: «وزير سابق». وفى ظل واقع داخلى بهذا البؤس، لا مجال بالطبع لأسئلة حول دور مصر الدولى وموقعها وتأثيرات ما يحدث حولنا، فى مرحلة يتشكل فيها الإقليم بسرعة جنونية.
وإذا كان الفرقاء لا يعرفون ما سيحدث فى 25 يناير، فما حدث قبله معروف وواضح للجميع: لقد أحرق انتظار هذا اليوم عدة أشهر تسبقه؛ أحرقها الجميع فى الانتظار، ولا أحد يعرف خطوته التالية!