x

أسامة غريب هلمّوا إلى الجبلاية أسامة غريب الأحد 13-12-2015 21:22


انسحب السياح الروس من الغردقة وشرم الشيخ فأظلمت المدينتان أو كادتا، وكنت قد لاحظت فى السنوات الأخيرة ظاهرة لم نعرفها من قبل فى مصر وهى أن لافتات المحلات جميعاً فى المدن على شواطئ البحر الأحمر قد كُتبت باللغة الروسية إلى جانب العربية، وأحياناً بالروسية فقط، باعتبار أن المحل مفتوح لأجل الروس فقط. وتكمن غرابة الظاهرة فى أننا فى ذروة سنوات حرب الاستنزاف واعتمادنا على الروس فى الدفاع عن العمق المصرى، وفى سنوات الامتنان المستحق لم نر اللغة الروسية مكتوبة على أى منشأة.. لكن يبدو أن لقمة العيش لها الغلبة على أى اعتبار آخر.

لم ينسحب السياح الروس فقط، لكن رحل البريطانيون وتلاهم الأمريكان والهولنديون والطلاينة وأقفرت المنتجعات وأطفئت أنوار الفنادق وخلت الأسواق من مرتاديها. المشكلة أننا فى السنوات الثلاثين الأخيرة أصبحنا نعتمد بشكل أساسى على السياحة بعد أن دمّر الجراد الحاكم الصناعة وباعوا المصانع للمجرمين من شركائهم، وكذلك بعد أن خربوا الزراعة وبوّروا الأرض الزراعية. لقد بُح صوتنا وصوت غيرنا لنعلّمهم أن السياحة لا تستطيع أن تقوم بدور حقيقى فى التنمية، لكون الحنفية موجودة خارج بلادنا وفى أيدى لا نملك سوى تقبيلها، وكذلك لأن طلقة طائشة من إرهابى عقور يمكن أن تخرب بيوت ملايين المصريين.. لكن نطعاً لم يستمع لما كنا نحذر منه.. وها قد وقعت الواقعة ووجدنا أنفسنا فى موقف صعب للغاية، فماذا فعلنا؟

الحق أننا لم نقصّر، فقد قمنا بعمل حملات فكاهية لإنعاش السياحة من جديد فى المدن التى أظلمت، فقمنا بشحن مجموعة من الوزراء إلى شرم الشيخ وصورناهم فى المطار وهم يخلعون ستراتهم ويخضعون للتفتيش الصارم، وهو الأمر الذى ظنوا أنه يطمئن البريطانيين والروس وسائر الكروديات الباحثين عن منتجعات شتوية آمنة!. حقاً كان المنظر مثيراً للمرح والسادة الوزراء يمتثلون فى خضوع كاذب للتفتيش وفتح الحقائب وكأنهم ركاب حقيقيون فى دولة بجد!.. ليس هذا فقط وإنما رأينا أفواجاً من الفنانين الجاهزين تحت الطلب وهم يهرعون إلى أرض الفيروز فى تلبية لنداء الوطن ويقومون بالتقاط الصور حتى يراها الروسى المتردد والبريطانى المنسحب فيعودان إكراماً لخاطر مايوه مادلين طبر وسوتيان سنية ماكلين!

الألطف مما سبق هو المبادرة التى رأينا فيها شيوخاً معممين يصطفون فى استقبال الزائرين بالمطار وفى يد كل منهم وردة كبادرة حسن استقبال لكل من تعطف علينا وأتى من الأجانب والمصريين على السواء.. ولن أسأل عن جدوى وجود الشيوخ فى منتجع قائم أساساً على الاستلقاء تحت الشمس بالبكينى، كما لن أسأل عمن تحمل مصاريف إقامة الشيوخ وأكلهم وشربهم وبدل سفرهم، لكنى فقط أود أن أسأل كل صاحب نظر عن رأيه فيما لو سافر إلى الخارج من أجل السهر والسمر والانطلاق والتحرر واكتساب اللون البرونزى فإذا به يجد فى انتظاره بالمطار رتلاً من القساوسة والحاخامات بلحاهم الكثيفة وملابسهم السوداء وفى يد كل منهم زنبقة أو زهرة ليلك يقدمها له.. لو أننى فى هذا الموقف لاستولى علىّ الرعب من المنظر ولشككت فى هؤلاء الناس ونواياهم.

يبقى السؤال: أيهما أفضل.. أن تحصل على الطعام بعد أن تتحول إلى قرد، أم أن تظل إنساناً جائعاً؟.. والحق أننى لا أعرف الإجابة!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية