x

حسن حنفي الانتخابات المبكرة.. خيانة وطنية أم رأى حر؟ حسن حنفي الأربعاء 09-12-2015 21:22


مما لا شك فيه أن التكفير جريمة. فهو دخول فى أعماق النفس البشرية والحكم على إيمانها وشق قلوب الناس. وربما مواجهة التكفيريين بالسلاح ليست هى الحل الأمثل. والأفضل الإقناع والحوار والاعتماد على نفس المصادر التى خرجوا منها. فدم الطرفين حرام، التكفيرى والجندى أو الشرطى، القاتل والمقتول. فكل منهما كان حريصا على قتل صاحبه.

والأخطر هو الصمت على التخوينيين الذين يخونون فريقا من المواطنين وهم أصحاب رأى كما أن الفريق الأول أصحاب عقيدة. والرأى عقيدة، والعقيدة رأى، مثلا بمثل. وبالتالى يضيع كل صاحب رأى، تكفيرى أو تخوينى. والأخطر هو أخذ الدولة صف فريق دون آخر. والمفروض أن الدولة تقف على الحياد بين الآراء المتعارضة وتتعلم منها وإلا ضاع كل صاحب رأى. ولم يبق إلا النظام الحاكم، رأسا دون جناحين. فلا يستطيع الطير. وإن حاول فسرعان ما يقع.

ومما لا شك فيه أيضا أن ثورة يناير 2011 قد توحد الكل معها وفيها. وهو أحد أسباب نجاحها. ثم حدث لها ما حدث، تموجات بين عسكريين وإسلاميين حتى بدأ البعض يضج من الإسلاميين. فقامت حركة 30 يونيو من الشعب ثم 3 يوليو من الجيش. ونشب الخلاف، ما حدث ثورة أم انقلاب؟ ولا توجد إجابة نظرية عن هذا السؤال إنما توجد إجابة عملية، بداية العنف والمظاهرات ثم الاغتيالات والتفجيرات، ثم الاعتقالات. وسالت الدماء من الطرفين. وظل الأمر كذلك على مدى سنتين دون حل ودون رؤية نهاية الطريق المظلم. وازدادت الشقة بين الحكومة والمعارضة، بين العسكريين والإسلاميين، حتى وصل الأمر إلى تفجير الطائرات والتجمعات فى عواصم الدول الكبرى، والتوعد بالانتقام، وثأر كل طرف من الطرف الآخر. ومازال الخلاف قائما بعد أن تحول إلى صراع دموى لا نهاية له. وتدخل الدول الكبرى فيه، وانهيار اقتصاد البلاد التى يدور هذا الصراع فيها، ومصادره وأولها السياحة. وطُرحت عدة مبادرات للمصالحة والحوار دون جدوى. واتهم الداعون أيضا بالخيانة والعمالة أو الولاء المتخفى للتيار الإسلامى.

ثم جاءت مبادرة أخيرة بعقد انتخابات مبكرة يحتكم إليها الفريقان المتصارعان لمعرفة ماذا يريد الشعب. وقد كانت المبادرة مطروحة قبل 30 يونيو ولكن تأخر النظام الإسلامى الحاكم فى قبولها بعد أن تبناها نائب رئيس الجمهورية المؤقت. وقبل مغادرته البلاد إحساساً منه بأن الدماء ستسيل عن قريب، وهو ما لا يقبله عقله الليبرالى. هذه الانتخابات المبكرة يمكن أن تحسم الخلاف بين الثورة والانقلاب. فإذا كان النظام الحاكم لم يحسن الحكم وبدأ الناس ينفضون من حوله ويندمون على انتخابه حتى لا يتم نجاح ممثل الحكم السابق فإن تغييره يتم بالوسائل الديمقراطية أى الانتخابات المبكرة وليس بالانقلاب عليه. الغاية نبيلة، طاعة الشعب فى رغبته التى تحولت من الإسلاميين إلى الليبراليين، ولكن الوسيلة لم تكن كذلك. وكان يمكن أن تكون الوسيلة أعظم نبلاً لو كانت هى الانتخابات المبكرة التى لا يخاف منها إلا من يعلم أن الشعب ليس معه. وهو اقتراح قادر على إيقاف سفك الدماء، وتوحيد الجبهة الداخلية. وتحسين صورة الجبهة الخارجية. فلا يتغير شىء فى الخارج إن لم يتغير فى الداخل أولا. ورفض الاقتراح يعنى تأييد ما حدث فى 30 يونيو بأنه انقلاب.

والآن قد تعلم الجميع من الدرس. تعلم الإسلاميون ألا يحكموا بمفردهم كما وعدوا فى شعار «مشاركة لا مغالبة». وتعلموا كيف لا يضحون بالمئات من المواطنين بصرف النظر عن اتجاهاتهم السياسية. وتعلم العسكريون أن الحلول الأمنية للقضايا السياسية لا تنجح. فالسياسة تواجه السياسة. بل إن الأمن أيضا يواجه بالسياسة. تعلموا أن مهمتهم فى الدفاع عن البلاد وليس الدخول فى المعارك السياسية بل الاجتماعية والاقتصادية، تحديد الأسعار، وتوزيع الخضروات، ورصف الطرق، وبناء شبكات المياه والصرف الصحى، والعدو على الأبواب قادر على الغدر فى أى لحظة بالرغم من معاهدات السلام، وبمد العدوان من الضفة والقطاع إلى باقى الأراضى العربية.

لا يسير الحكم بمنطق «إما... أو» على التبادل. إما الإسلاميون أو عسكريون بل بمنطق «معاً»، إسلاميون ومدنيون معا. الحكم ائتلاف ووفاق، وليس أغلبية وأقلية تأتى بشراء الأصوات والتزوير والمصالح الشخصية. فقد نجحت التجربة التونسية فى الديمقراطية وكذلك التجربة التركية لهذا السبب. وبذلك يمكن توحيد الجهود إلى العدو الأول للأمة العربية وهو إسرائيل التى مازالت تحتل أراضى عربية منذ سبعين عاما. وهى المستفيد الأول من الصراعات الداخلية فى الأقطار العربية وتفتيت شعوبها طائفيا ومذهبيا وعرقيا حتى تبقى هى وحدها الدولة القومية الواحدة ليهود العالم الأربعة عشر. أصبح نصفهم تقريبا فى إسرائيل. وتصبح الدولة القوية نموذجا لدول الربيع العربى بعد أن فرقته القوميات والطوائف والمذاهب الداخلية. كما أنه يغير المزاج العربى من حالة الإحباط إلى الرغبة فى المشاركة السياسية من جديد بعد أن أظهرت الانتخابات الأخيرة أن الصوت الحقيقى هو الامتناع عن التصويت. وهو اقتراح ضد اليأس بعد أن شارك المواطن فى عدة انتخابات سابقة منذ خمس سنوات والنظام السياسى لم يستقر بعد. وهى مبادرة ضد الفشل بعد محاولات المصالحة والحوار غير الناجحة. والطرفان يفضلان الانتقام والثأر.

إن حرية الرأى ليست جريمة. ومادام الشعب منقسما فإن الانتخابات المبكرة هى التى تقرر أى تيار له الأغلبية وقادر على التحالف مع الأقلية فى برنامج اجتماعى سياسى مشترك. التعبير عن حرية الرأى بصراحة أفضل من السعى إلى المناصب البرلمانية أو الرئاسية أو الشهرة الإعلامية. أنثى واحدة أشجع من مائة رجل.

ويأتى الاتهام بالخيانة الوطنية التى تقارب الخيانة العظمى، من الوصوليين الذين يظنون أنهم بمعارضة اقتراح الانتخابات المبكرة إنما يدافعون عن النظام وعن الرئيس، وكأنه باق إلى الأبد، وكأننا لم نتعلم من الرئيس السابق الذى بقى رئيسا بالغش والتزوير ثلاثة عقود من الزمان حتى جرفته الثورة الشعبية فى يناير 2011. ومن يكسب رضا النظام يخسر احترام الشعب، ومن يحاول الاقتراب من الرئيس يبتعد عن الشعب. والأنثى التى تحاول أن تكون رجلا تظلا أنثى، ويظل مكان الرجل شاغرا. وفى النظام من باع الغاز إلى إسرائيل بأسعار أقل من السوق بعد دفع العمولات لرجال السياسة باعتباره رجل أعمال. وفى النظام من يشترى الغاز من إسرائيل ويكسر سلاح المقاطعة. وفى النظام من يدعو باقى الأنظمة العربية لتوسيع قاعدة السلام مع إسرائيل قبل أن تنسحب من الأراضى المحتلة والاعتراف بحقوق شعب فلسطين. وما هى نقطة الوصول، قصر الرئاسة أم قلوب الشعب؟

ما يُقال الآن ليس صحافة وليس جدلا صحفيا. وليس سياسة مضادة للسياسات القائمة وأنصارها من المثقفين، قانونيين، وفنانين، بل هو تطوير للنظرية السياسية فى كيفية الوصول إلى الحكم. ولا يشير إلى واقعة خاصة أو أشخاصا معينين بل هو موقف نظرى خالص، دفاعا عن حرية الرأى والسماح لأكبر قدر من التعددية السياسية. وتقديم رأى مقابل للنظام. فتعارض الآراء مقدمة لإثبات صحتها. فالحق متعدد. والاجتهادات فيه كثيرة. وليس طعنا فى أحد أو تأييدا لأحد بل هو دفاع عن حق الاختلاف. هو ابتعاد عن منطق الفرقة الناجية التى تحمل الرأى الصحيح، والدفاع عن تعدد الفرق وضرورة الحوار بينها. أين المصلحة العامة وكيف يوقف سفك الدماء. فالقاتل والمقتول فى النار. القاتل لأن القتل جريمة. والمقتول لأنه كان حريصا على قتل صاحبه.

الدعوة إلى انتخابات مبكرة ليست جريمة ولا خيانة عظمى أو صغرى، بل هى رأى حر فى لحظة يعز فيها التعبير عن حرية الرأى. وهى ليست بدعة. فكثيرا ما لجأت إليها الدول حتى تحمى نفسها من الانشقاقات التى قد تنتهى إلى حرب أهلية بين القوى المتصارعة، كما يحدث فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق. حفظ الله مصر هذا المصير.

ليت يبدأ حوار علنى الآن حول «إنقاذ مصر» وطرح جميع الآراء. والحوار العلنى أفضل من الحوار الصامت وحديث النفس أو الحديث السرى بين المهمومين بقضايا الوطن. يكفى قطع شبكة العنكبوت حتى يقع ما بداخله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية