x

حلمي النمنم يوم فى بيروت حلمي النمنم الثلاثاء 08-12-2015 21:23


عدت تواً من لبنان، حيث تسرى هبة تفاؤل بإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية، بعد 18 شهراً من الفراغ الرئاسى، وأكثر من ثلاثين محاولة لاختيار رئيس، فشلت جميعها، وكشأن كل المبادرات السياسية يمكن أن تنجح وقد لا تحقق نجاحاً، هذه المرة عوامل النجاح أكثر، وأهمها شعور اللبنانيين بضرورة وجود رئيس للجمهورية، بعد أن كادت الدولة تتلاشى وشعر اللبنانيون، طبقاً لقول الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء السابق، بضرورة وجود رئيس للجمهورية.

الجرعة السياسية عالية هناك، وفى كل المنتديات والمجالس تجد الشأن السياسى هو الغالب، حتى فى لقاءات المثقفين والمبدعين، وليس الشأن السياسى اللبنانى فقط، بل الشأن العربى عموماً والمصرى تحديداً، هم هناك مشغولون ويتابعون جيداً ما يجرى فى مصرنا يوماً بيوم، حين وقع حادث ملهى العجوزة، كان الكل يسأل ويستفسر، والعبارة الوحيدة التى تتكرر «المهم أنه ما يكون عمل إرهابى».

الإحساس هناك بمصر عالٍ، فى كل مكان فى العالم العربى سوف تجد حباً لمصر، لكن فى لبنان هناك شىء آخر يعلو على الحب وهو الإحساس بضرورة الدور المصرى، فى الساحة العربية، وأن تستعيد مصر عافيتها ومكانتها.

فى لبنان، اعتقاد يبلغ اليقين أن تراجع مصر وانكفاءها على ذاتها هو سبب كثير من الأزمات العربية. مثقف لبنانى متميز، قالها لى، ما كان ممكناً أن تجتاح إسرائيل بيروت - سنة 1982- لو كان الرئيس السادات موجوداً، لكن عملية اغتياله وانشغال مصر بجراحها هيأت لإسرائيل أن ترتكب فعلتها، وبهذا الفهم سوف تجد الشأن السياسى المصرى وما يجرى فيها يشغل كثيرا من اللبنانيين وموضع متابعة دقيقة.

وبات من دارج القول فى المحافل اللبنانية، أنه إذا عادت مصر إلى دورها انصلح الكثير من الأحوال، وفى العصر الحديث كان هناك ارتباط وتكامل بين مصر ولبنان، خاصة فى المجال الثقافى الواسع، من رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده، فرح أنطون وجورجى زيدان وعشرات غيرهم، حين تعذر على الطهطاوى نشر أحد أعماله كانت بيروت جاهزة للنشر، ولما صعب على طه حسين نشر «المعذبون فى الأرض» بالقاهرة نشرت فى بيروت، وكذلك الحال مع رائعة نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، التى ظلت مطاردة خارج مصر قرابة نصف قرن، ولما طمح جورجى زيدان إلى العمل الثقافى والصحفى كانت القاهرة تستقبله بكل ترحاب وتمنحه الفرصة كاملة.

هم يدركون أن العروبة، وخاصة العروبة الثقافية منجاة لهم ولنا وللأمة العربية كلها، وتتمثل العروبة الثقافية المستنيرة والمتفتحة لديهم فى مصر ولبنان، لذا هم شغوفون ومتابعون جيدون لنا، يسعدهم أى إنجاز نحققه ويحزنهم أى إخفاق نمنى به، لذا تجدهم يناقشون كل شىء، عنا، حتى لو كانت لديهم ملاحظات، فهى تنبع من الحب والتقدير الحقيقى.

ولأنهم مشغولون بشؤون من حولهم، لا يترددون فى أن يشركونا فى شؤونهم، يتحدثون عن كثير من شأنهم وأدقها بصوت عالٍ، ينتقدون هذا ويؤاخذون ذاك بلا تردد، وبلا أى حساسية.

هذا الانشغال السياسى، وكثرة المشاكل والهموم، يقابله حب اللبنانيين للحياة وإقبالهم عليها، هم لديهم الكثير والكثير من المشاكل والهموم، أبرزها غياب رئيس الجمهورية الذى يعنى فعلياً تعطل كثير من مناحى العمل بالدولة، ماذا لو أن رئيس الحكومة قرر أن يستقيل، وكاد «تمام سلام» أن يفعلها قبل شهور، لولا تدخل مصرى أقنعه بضرورة الإبقاء والاستمرار، لم أقرأ شيئاً عن ذلك فى صحافتنا المصرية، وسمعت به من زملاء لبنانيين، ومع ذلك، هذا الشعب يتحرك فى الشارع ويقبل على الحياة كأنه بلا أى مشكلة، هل هى النظرية الأرسطية القديمة إذا أفرط الشىء فى الوجود، فإنه يصير غير موجود، أى يستوى الوجود والعدم لحظتها - ربما..

حينما أقام أحد رجال الأعمال برجاً سكنياً على النيل بلغ سعر الشقة فيه عشرة ملايين جنيه، فغرنا أفواهنا جزعاً، لكن فى بيروت هناك عمارة تقام على البحر، سعر متر الشقة بها بلغ 25 ألف دولار، أى أن الشقة مساحة مائة متر مربع، يبلغ سعرها 2.5 مليون دولار، أى حوالى 20 مليون جنيه مصرى، وإن كانت مساحتها 200 متر يكون السعر 40 مليون جنيه مصرى، وهكذا، ومع ذلك فإن ما نسمعه عن تلك العمارة وغيرها من مظاهر جنون أسعار العقارات فى بيروت، يتعامل معه المواطن باعتباه مادة للتندر والتفكه، وليس للكآبة وإثارة الأعصاب.

إقبال لبنان وحب اللبنانيين للحياة والحرص على الاستمتاع بها هو الملمح الأساسى الذى يلمسه الزائر إلى «جارة الوادى». من الآن بدأ إعداد أشجار عيد الميلاد فى الشوارع، احتفالاً بقدوم العام الجديد، ولا غرابة فى ذلك، نحن أمام بلد عاش حرباً أهلية بشعة لمدة 15 عاما، واغتيل عدد غير قليل من قادته وأبرز زعمائه، واجتاحه إسرائيل مرة، وعانى من ضغط سورى طويل وعنيف، ومع ذلك وربما بسببه حبهم للحياة وإقبالهم عليها، واجهوا كل شىء، وأثبتوا دائماً أنهم أقوى من أى محنة، لبنان هو حب الحياة والاستمتاع بها رغم أى مشاكل أو أزمات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية