x

وليد علاء الدين إعلام سيادة الرئيس وليد علاء الدين الإثنين 30-11-2015 21:04


جمعتني صدفة العمل بمخرج ومنتج لبناني يقيم ويعمل في فرنسا منذ سنين، ويدير من هناك إنتاج عدد من البرامج التليفزيونية العربية الكبرى.

كانت جلستنا بشأن وضع تصور لبرنامج تثقيفي سياحي، بطله رحّالة إماراتي، ينطلق من دولة الإمارات العربية المتحدة في رحلة بالخليج العربي مستعرضًا أبرز ملامحه الثقافية والسياحية والاجتماعية.

احتجنا إلى بعض الوقت لإذابة جليد عدم المعرفة بيننا؛ حيث تم ترشيحي له من الصديق الإماراتي المشترك الذي سوف يقدم البرنامج.

كنت أشعر بتحفظ صديقنا اللبناني الفرنسي يذوب كلما أخذتنا الدردشة إلى جوانب مختلفة من الحياة تكشف عن تصوراتنا ووجهات نظرنا، وأشعر أن حماسته للتعاون معي تزداد.

لا أثق كثيرًا في الصور السائدة عن عدم ارتياح اللبنانيين للمصريين أو العكس، أو غيرها من الصور المطلقة، وأتفادى دائمًا العمل أو الحكم من خلالها، وهو أمر نابع أولاً من قناعتي الفكرية بأن كل تعميم خاطئ.

كما أن تعاملي لسنوات طويلة مع عدد كبير من الجنسيات العربية والأجنبية أكد لي أن الفروق الفردية بين البشر – وليس الجنسيات- هي العامل الأهم؛ فثقافة الأفراد ومعارفهم وتجاربهم -وأحيانًا تربيتهم- هي التي تتحكم في طرق تواصلهم مع غيرهم من الأفراد، وأن التصورات المسبقة العمومية سرعان ما تسقط أمام التعامل الحقيقي الصادق.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أكدت لي الخبرة أهمية أن تضع حسابًا للتصورات الذهنية المسبقة التي قد تكون مؤثرة في رؤية الآخر لك، لا لتتعامل من خلالها ولكن لتكون لديك سيناريوهات للتعامل معها إن بدت متحكمة في الآخر؛ فقد سبق وفاجأني أصدقاء بأن صورتهم الذهنية عن المصريات أنهن يجدن الرقص، وأكل محشي الكرنب، ولا أعرف كيف يجتمع الاثنان! ولكنها الحقيقة المؤسفة التي تؤكد سطوة الإعلام الرهيبة في حشو عقول الناس بتصورات قد تكون متضاربة إلى أقصى حد.

لا تندهش إن عرفت أن مصر -بالنسبة للكثيرين من الإخوة العرب، خاصة من لم يزرها- هي مصر أفلام عادل إمام (والسبكي للجيل الجديد)، تلك الشخصيات الغريبة التي تلعب في المساحة بين البلاهة والتخلف والجشع والفهلوة والصياعة والانصياع.

حتى أن صورة البطل المصري -وهو عادل إمام هنا- صورة مزيفة، فبحكم أن «الزعيم» غير مقنع في بطولاته، فإن بطولات المصريين زائفة مثله، بعكس بطولات الأمريكان-مثلًا- التي عرفت هوليوود كيف تصدرها.

المهم، من دون الخوض في تفاصيل صورتنا الذهنية لدى الآخرين ومصادرها، فقد اعتدت أن أضع هامشًا لها في العلاقات الجديدة مع الأشخاص، للتمكن من تفاديها سريعًا لتستمر الحياة، منتظرًا في كل مرة أن أسمع التعليق المعتاد أو أحد أطيافه: ما كنت أظن إن المصريين كذا وكذا… أو إن المصريين كذا وكذا .... إنطلاقًا من تصور بنته السينما وغذّاه الإعلام.

لكن التصور الذي سمعته من الصديق المخرج والمنتج الفرنسي اللبناني -بعد أن ذاب الجليد- كان مختلفًا تمام الاختلاف.

لم يبن الرجل تصوراته عني وعن المصريين من واقع السينما والإعلام، ربما لأنه محصن ضد هذه الرسائل بحكم عمله في المجال، وقدرته على التفرقة بين الواقع والخيال الدرامي.

كان تخوفه وحذره مبنيين على قصة أخرى صدمتني لطرافتها وجدّتها.

يقول الرجل: بحكم عملي حضرت المؤتمر المصري للترويج لمشروع قناة السويس الجديدة في فرنسا، ويضيف: وبحكم طبيعة عملي كذلك كنت أتحرك بين واجهة المكان وكواليسه، الأمر الذي سمح لي بمتابعة ردود أفعال عدد كبير من رجال السياسة والمال الفرنسيين الذين حضروا المؤتمر بعد مشاهدتهم للفيلم الترويجي الذي أعده المخرج مجدي الهواري.

لم يتوقف الصديق -المتخصص في مجال الانتاج- طويلًا أمام تواضع فنيات الفيلم، اكتفى بإشارة عارضة انطلق منها إلى ما هو أعمق من واقع معرفته بثقافة الغرب واحتكاكه العملي بهم في مجال الدعاية والإنتاج الفني.

يقول الرجل: الفيلم المعد لاستقطاب الرأي العام ورؤوس الأموال الفرنسية، كان كفيلًا ببث الرعب في نفوس الفرنسيين- خصوصًا رجال الأعمال والمستثمرين- من استثمار يورو واحد في مصر.

يقول: كان الفيلم مبنيًا على فكرة البطل المخلّص الذي أنقذ مصر، وأفسح مخرجه لصور الرئيس -الملعوبة بالحركة البطيئة- مساحة ليست بالهينة في البناء. معتقدًا أنه بذلك أحكم قبضته النفسية على المشاهد.

يضيف الرجل: ربما يثير فيلم مثل هذا الحماسة في نفوس الكثير من المصريين وبعض العرب، ويؤكد: ليس الأمر متعلقًا بالرئيس السيسي سلبًا أو إيجابًا، إنما هو متعلق بالتركيبة الثقافية للجمهور الذي تخاطبه.

هذه الرسالة التي تمحور حولها الفيلم كفيلة بإثارة القلق في نفوس الغرب الذي لا يعرف الأشخاص إلا عبر المؤسسات، وكفيلة بحسم موقف رجال الأعمال في المقام الأول بوقف التعامل مع بلد يرتبط وجوده بفرد على قمته، يهتز باهتزازه أو بتغير وجهة نظره للأشياء، أو بتغيره هو شخصيًا.

يقول الصديق: راقبتُ بنفسي انسحاب عدد كبير من الحضور، واستمعت إلى حوارات تؤكد هذا المعنى بين أطراف يدل حضورها على اهتمامها المبدئي بالأمر.

ويضيف الصديق: المؤسف، هو أن أعضاء الفريق المصري لم يتمكنوا من التقاط الأزمة، وقد بدا ذلك في شكلين، الشكل الأول هو استكمال المسؤولين خطاب «البطل المخلص» نفسه كركيزة لتسويق المشروع من دون إدراك أنه كان السبب في نفور المستثمرين وانصراف الكثيرين منهم.

والشكل الآخر- يقول الصديق- تجلى في أحاديث ترامت إلى أذني حول مؤامرة وتخطيطات لانسحاب المستثمرين، ويضيف: لم تُفلح نقاشاتي مع من أعرفهم من أعضاء الوفد في إقناعهم بأنه خطأ في صياغة الرسالة وتقصير في دراسة الجمهور!

دارت هذه الدردشة في يناير الماضي، ونسيتها لفترة طويلة رغم تحمسي الشديد لها في ذلك الوقت لأنها توافق قناعتي بضعف وتراجع مستوى التناول والمعالجة الفنية وتردي فكر التسويق المصري الرسمي.

لم أتعجب وقتها أن يرى المخرج الرسمي لمشروع قناة السويس في استخدام لقطات بطيئة ومقربة للرئيس حلًّا سحريًا لإيصال فكرته حتى لو كان الجمهور من فرنسا أو القطب المتجمد الجنوبي. أو أن يتخيل أبناء «واق الواق» وهم يبكون من فرط التأثر بموسيقى رأفت الهجان، أو «دموع في عيون وقحة»، فطالما أنها تثير حماسة المصريين فلا بد وأن تفعل الفعل نفسه لدى كل كائن بشري على وجه المعمورة!

لا أخفيكم أن كلمات صديقي الفرنسي اللبناني كانت تتجسد أمام عيني كلما تصادفَ وشاهدتُ موادًا إعلامية مما أنفقتْ عليها الحكومة أموالنا لتحاول إقناعنا بأفكارها من دون أي جهد حقيقي لضبط- على الأقل- منطق الإقناع، ففي صورة الرئيس وتحيا مصر الكفاية.

تذكرت الرجل ولعنته في سري، عندما قرأت أن وزارة السياحة خاطبت السيد الرئيس لاستخدام صوره في الترويج للسياحة المصرية (.. . ) خارج مصر طبعًا.

حضر الحوار إلى ذهني بينما أتابع انفعالات الممثل أحمد عبدالعزيز وارتجافات جسده في دراما عودة الشهيد (.. .)، ولم أفهم من مِن جمهور العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مقصود بها!

ومن باب فعل الخير، قررت أن أدعو لصديقي هذا بالرحمة كلما ذكّرني بقصته صراخُ إعلامي من هؤلاء الذين يعتبرون أن قمة الصدق هو أن يقسم الواحد منهم بالله ثلاثًا على أن ما يقوله صحيح، أو اندمجت في تحليل أحدهم لخطابات السيد الرئيس وتأويل تصريحاته وتحميلها بمعان كبرى وأفكار عملاقة.

غفر الله لك يا صديقي ما ارتكبتَ من تأويل أفسدَ على متعتي بعبقريات الإعلام المصري.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية