مشوار صغير بين العالم الافتراضى -الخطير -والمحرك لكثير من الأمور وبين الواقع والحياة والناس ..يجعلك تتأكد أن هناك حلقة مفقودة ..لن يكملها سوى القليل من العقلانية والكثير من العمل الجاد..
على أرض الواقع في بلادى تجد سلبيات كثيرة تحتاج إلى رصد وإشارة وتنبيه وتوجيه، وتجد أيضا ايجابيات ..من واجبنا -وليس فضلا منا- أن نرصدها وندهمها ونشير إليها مرارا ..لئلا تتوه وسط الزحام الشديد من العبث ولئلا يحبط أصحابها فيتوقفوا عن المحاولة!!
وفى العالم الإلكترونى الفضائى تجد هيستيريا صارخة ..فإما سواد شديد حالك القتامة تسجل فيه الأخطاء فقط وإما وردى وردى وردى كما يقولون بدون أي إثباتات موضوعية على وردية الحال سوى بعض الإحلام المتناثرة!! في عالم الهيستيريا ..كلاهما خطير ..جدا!
على أرض الواقع ..تجد أشخاصا مجتهدين يحاولون، يفشلون، يحاولون من جديد ...فينجحون!! وتلك السلسلة من النجاح والفشل تصنع منهم أشخاصا رائعين قادرين على الإنجاز الحقيقي دون غرور ودون تعالى ودون أحكام قاسية على غيرهم من البشر ..في الواقع تجد تلك الفئة التي تؤمن بإعطاء الناس فُرص أخرى وتساعدهم على التغيير.
وفى الفضاء الإلكترونى ..تجد محترفى بيع الفكرة وتسويقها، يعرفون ماذا يقولون وكيف يصيغون عنوانا يسوق لفكرتهم ..فيزيد المتابعين وتدور العجلة.. حرفة نجاحها مضمون لا خسارة فيها سوى للضمير المهنى وللعقل وللوطن الذي يكتوى بنار التفاهات فلا يجد وقتاً يناقش فيه قضاياه الكبرى!!
صدقونى ..البعض يفضلونها هكذا ..خربانة!! فالحديث عن المصيبة أو الكارثة أكثر تشويقا من الحديث عن الفضيلة أو الأمل ..تلك هي مصيبتنا!
في الإعلام الغربى هناك مدرسة كبرى تسمى مدرسة الإلهام ( inspirational ) فهناك رسالة إعلامية ملهمة ..لا تقدم لك وعظا ولا تقدم نصحا مباشرا ولا تبكيتا من مدرسة سؤال الجانى ( إنت ليه عملت كده ؟!! ) ولا سؤال المجنى عليها ( إيه اللى وداكى هناك ؟! ) إنما تلك الرسالة تقدم لك مفاهيم الإنتماء والعمل والرحمة ..بطريقة (طبيعية ) تترك داخلك يقينا واحدا. أستطيع أن أفعل هكذا وأن أعيش هكذا!!
على أرض الواقع
في إعلامنا العربى مدرستان كبريتان؛ مدرسة التطبيل بكل فنونها وشخوصها وتفاصيلها التي تثير الغثيان ولا تمت للواقع بأى صلة يتبناها الواقع التليفزيونى وروادها جيل أكبر سنا إستلم تلك الطريقة وأستسلم لها، ومدرسة التفشيل والإحباط والخراب ويتبناها الواقع الفضائى ورواده من الشباب الذي يعتقدون في أنفسهم أنهم هكذا يقدمون خدمة للناس ويواجهونهم بالواقع!
بينما يقف ( الواقع ) حائرا وسط هذه الفوضى والضوضاء الإعلامية والثقافية ..تظهر على إستحياء محاولات موضوعية لتناول الأمور ولتنوير العقول ..إنما لا تجد من يروج بضاعتها وتتوه في زحام من يفضلونها ...خربانة !!!
نظرة متواضعة لما هو آت تفرض علينا أتجاها آخر ..حتى يتحرك هذا المشهد العبثى ويتغير ..الأمر بأيدينا نحن ..صناعة التغيير الحقيقى في الناس والإستثمار فيهم لن يحدث سوى بتأثير الدوائر الصغيرة ..كل شخص -طبيعى -مؤمن بالتغيير ومؤمن بغد أفضل لأبنائه عليه أن يتبنى مسئولية إجتماعية جديدة ..غير الشجب والإدانة أو التصفيق والتهليل!! المسئولية الإجتماعية الجديدة تلزمه بأن يصنع التغيير الذي ينشده في دائرته الصغيرة في بيته مثلا! -أعرف رجالا يدينون الكذب ويعلمونه لأولادهم وسيلة للمراوغة !!!- في عمله الذي يقوده ..تخيلوا معى مؤسسات بأكملها تقدم نماذج صالحة وسط مجتمع فسدت ثقافته!!
ألن تديننا تلك النجاحات أكثر من ألف جملة توبيخ وعتاب ..!! القصد أن أقول أننى أقابل في حياتى المئات من النماذج الرائعة لأشخاص يريدون الأفضل وينتهجون العقل منهجا، ويوجعنى السؤال؟ لماذا لا يصنع هؤلاء المئات ..تغييرا حقيقيا وسط الآلاف!! لماذا يبدو دورهم منحصرا في الحسرة على مايمكن أن يكون!! ..نظرية التأثير في الدوائر الصغيرة أثبتت نجاحا كبيرا لكن للأسف طبقت معكوسة!! إن الدوائر الصغيرة هي التي تمكن وتمرر أبشع الأفكار وأخطر العمليات الإرهابية!! هؤلاء المهاويس يؤثرون في دوائرهم الصغيرة ويزيدونها إتساعا فتخرج علينا النتيجة ..أفكاراً إخوانية ثم داعشية ثم عمليات إرهابية!
إن لم نقدر نحن! أن نصنع تأثيرا ايجابيا في دوائرنا ونغير ولو ٥ أشخاص في محيط من نتعامل معهم ليصبحوا أكثر تعقلا وأكثر جدية وأخلاصا في العمل وأكثر انتماءا لوطن يحتاجنا جميعا !!! إن لم نقدر ....فلنستسلم ونراقبهم هم يؤثرون!! فالبعض يفضلونها ..هكذا ...!!!