x

د. ياسر عبد العزيز استراتيجية «داعش» الإعلامية د. ياسر عبد العزيز السبت 28-11-2015 21:06


يظن البعض أن استراتيجية «داعش» الإعلامية تتلخص فى مشاهد الذبح والقتل والدمار التى يعرضها هذا التنظيم عبر وسائطه المختلفة.

إن هذا الظن خاطئ بكل تأكيد، كما أنه يبخس «داعش» حقه، ويعطى صورة خاطئة عنه، ويقلل من الخطورة التى ينطوى عليها.

ينطلق «داعش» فى أنشطته الإعلامية والاتصالية من استراتيجية متكاملة، يوفر لها طاقات كبيرة، ويحشد لها موارد ضخمة.

يعتبر «داعش» أن الإعلام أداة قتال رئيسية من أدوات المعركة التى يخوضها، وليس مجرد آلية للترويج والتسويق ومخاطبة العالم.

ومن خلال الإعلام يستطيع «داعش» أن يجند أتباعاً، ويرعب خصوماً، ويضلل أعداءً، ويتصل بالتابعين والمؤيدين، ويعلم البعض كيفية صنع القنابل والأحزمة الناسفة، وينسق بين الخلايا، ويرتب للعمليات، ويقوض الروح المعنوية للشعوب التى يستهدفها، وأن يصنع صورته الذهنية التى يريد تسويقها.

لقد اجتذب «داعش» ما بين 2000 و3000 مقاتل أوروبى وأمريكى إلى الأراضى التى يسيطر عليها فى سوريا والعراق، وانخرط معظم هؤلاء فى القتال فى صفوفه، وقد ثبت أن نحو 80% منهم تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

يسيطر «داعش» على الرسائل الاتصالية التى تخرج من الأراضى التى يسيطر عليها سيطرة شبه تامة؛ إذ يسجل الصحفيين والمراسلين والمصورين، ويثبت ما لديهم من أدوات فى دفاتره، ويشترط عليهم مبايعة الخليفة، ولا يسمح لهم بإرسال أى صورة أو نصوص صحفية أو مقاطع صوتية إلا بعد أن يخضعها للرقابة والمراجعة، وبذلك يضمن التحكم التام فى الأنباء التى تتعلق بأوضاعه الداخلية.

ويدير التنظيم شبكة من المؤسسات الإعلامية التى تعمل بتكامل وتنسيق تامين، وتتخصص كل واحدة منها فى أداء دور محدد، يمكن بتفاعله مع أدوار المؤسسات الباقية أن يحقق الأثر المنشود.

من يحلل رسائل «داعش» الإعلامية يجد أنها تتمتع بدرجة عالية من الاحترافية والجودة، لا تتناسب مطلقاً مع المواقف الأيديولوجية التى ينطلق منها أعضاء التنظيم، ويدرك أيضاً أن تلك الرسائل تتمتع بموارد ضخمة وقدرات تنظيمية عالية.

يصوغ «داعش» استراتيجيته الاتصالية ليخاطب ثلاثة مستويات مختلفة تماماً؛ فهناك خطاب للأعضاء والأتباع والمتعاطفين والمؤيدين، وهناك خطاب يستهدف هؤلاء المتابعين الذين يقفون على الحياد أو فى مفترق طرق إزاء التنظيم وأعدائه، أما الخطاب الثالث فيستهدف الأعداء المقيمين على العداء.

ويشن «داعش» حملات إعلامية محددة، أو يطلق منتجات ذات طبيعة خاصة، أو يكمن ويتوقف عن الاتصال، أو يكثف من رسائله الودية حسب احتياجاته ووفق الظروف الموضوعية التى تؤثر فى الأحداث.

لذلك، فإنه يشن حملة «تويترية» عشية «غزوة الموصل»، ليقوض الروح المعنوية لجنود الجيش العراقى، أو يذيع تفاصيل هجوم مسلح فى سيناء، ليبث الرعب فى نفوس القوات التى تقاتله، أو يبث شريط «صليل الصوارم»، ليزعزع ثقة خصومه فى أنفسهم، ويعدهم بالذبح والقتل، ويعرض شريط «الكساسبة»، ليحجم المشاركة الأردنية فى عمليات القتال ضده فى أراضى سوريا، ويعرض شريط الصحفى الأمريكى جيمس فولى، فيضع حدود التغطية الصحفية التى يريدها فى الأراضى التى يسيطر عليها، ويرسل رسالة إلى الحكومات والجمهور فى الغرب.

ومما يثير الدهشة أيضاً أن «داعش» يمتلك متخصصين، على أعلى درجة من الاحتراف، باتوا مخصصين فقط لاصطياد التناقضات، والقصور، والثغرات فى الخطاب الغربى الذى يستهدف الإسلام السياسى و«الجهاد» عموماً، و«داعش» خصوصاً.

يبدو أن هذا التنظيم أفرز موارد وطاقات نوعية لمتابعة التراث والإنتاج الفكرى الغربى المعاصر، واختيار النصوص والآراء التى يمكن منها تسليط الضوء على «صراع دينى شرقى/ غربى»، أو تأجيج فكرة «صدام الحضارات»، أو إثبات فرضية «المؤامرة المزعومة على الإسلام».

تشير تلك العمليات كلها إلى إدارة استراتيجية احترافية للشأن الإعلامى، تذكرنا جميعاً بزعيم القاعدة أيمن الظواهرى عندما خاطب أبومصعب الزرقاوى قائلاً له: «وتذكر يا أخى أن نصف معركتنا فى الإعلام».

فإذا كان «داعش» يكسب نصف معركته بالإعلام، فكيف يمكن مواجهته؟ هذا موضوع مقال مقبل بإذن الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية