x

طارق عباس فضيلة الاختلاف طارق عباس الجمعة 27-11-2015 21:10


عندما نشرت فى هذا الموضع مقالا بعنوان «ارحمينا يا حكومة» منتقدا إياها فى كيفية التعاطى مع الفساد والفاسدين وعدم التصدى للمحتكرين وترك الفقراء فريسة لمطامع الانتهازيين والمنتفعين، فوجئت - بمجرد عرض مقالى على الفيس بوك - بهجوم ضارٍ على شخصى وعلى أهلى وتسفيه لرأيى، إلى حد الحط من شأنى باستخدام أفظع الألفاظ والشتائم والسباب بل اعتبارى إخوانيا متطرفا وإرهابيا ومعاديا لثورة يونيو، ورافضا للرئيس السيسى، وعميلا للأمريكيين الساعين لتقسيم مصر، كما اعتبرنى بعضهم ممن تسببوا ولا يزالون يتسببون فى حرمان مصر من الاستقرار والراغبين فى تحويلها إلى سوريا جديدة، وعندما نشرت مقالا آخر تحت عنوان «عفارم عليك يا وزير التموين»، مشيدا بمحاولات الرجل التصدى لظاهرة الغلاء والبحث عن حلول جادة لها، إذا بى عرضة لموجة أخرى من الهجوم بالسب والشتم ولعن الأب والأم وكل أفراد العائلة باعتبارى من المنتمين للثورة المضادة والمروجين للرئيس السيسى والمتمرمغين فى نعيمه والرابحين من وزير التموين والرافضين لثورة يناير، رغم أننى فى الحالتين لم أكن أغازل طرفا على حساب طرف، بل كنت أمارس حقى الطبيعى فى عرض وجهة نظرى والتعبير الحر عن رأيى ورؤيتى والتى كنت أتمنى أن يحدث حولها الاتفاق والاختلاف والنقاش، لكن للأسف الشديد ولعموم ثقافة الأنا تحولت فى لحظة إلى متهم ومذنب، لأن الكثيرين منا افتقدوا القدرة على التمييز: بين الاختلاف والخلاف، بين النقد والشتم، بين استعمال اللغة المهذبة فى الحوار والصراخ الهستيرى المفتقر للأدب والحياء، بين المشاركة للوصول إلى الغاية المستهدفة من أية مناقشات وعلاقة العسكر بالحرامية، الأمر الذى يعكس حالة غير مفهومة من الاحتقان وغياب حقيقى لقيمة الحوار وتحول الاختلاف الهادف الموضوعى إلى خلاف مبتذل ممقوت يحمل بين طياته الصراعات المحمومة المتضاربة واستبدال ميادين المنافسات الشريفة بساحات غير نظيفة تمارَس فوقها صنوف من البذاءات والألاعيب والحيل، والأخطر من ذلك كله الحكم على الأجيال الصاعدة بإحباطات وانكسارات قد يصعب لملمتها، فبما أن الطفل وليد بيئته والقدوة الموجودة لم تعلمه كيفية تفعيل الحوار والانتفاع بثماره فكيف سيتعلمه؟ ومِن مَن؟ وإذا كان كل ما يراه فينا مجرد منافسات مبنية على الفضائح والشتائم وتلفيق التهم والتشكيك والتخوين، فمن أين سيتعلم فضيلة الاختلاف؟.

من حق أى منا أن يعبر عن نفسه ومن واجب الآخرين احترام وجهة نظره وتأييدها أو رفضها، خصوصا أن الثوابت فى حياتنا هى المتغيرات، وهذه المتغيرات بمثابة همزة الوصل بين الإنسان والوجود، والاختلافات التى نعيشها بشكل دائم ما هى إلا ظاهرة طبيعية تجسد أجمل معانى الحياة وأصدق صورها، فما يضحكنا اليوم ربما يبكينا غدا، وما يحققه غيرنا من انتصارات قد يتحول بالنسبة لنا لهزائم مرة، وما نؤمن به اليوم من أفكار قد نضطر لرفضه غدا والانقلاب عليه، فأمام كل لحظة من اللحظات التى نعيشها ستكون لنا وجهة نظر ويكون بإمكاننا اتخاذ المواقف التى تناسب كل لحظة على حدة، وما دام الإنسان يمكن أن يقبل اختلافه مع نفسه فلماذا يكره اختلافه مع الآخرين أو اختلاف الآخرين معه؟ وما دامت الحقائق متغيرة فعلى أى أساس يتخيل البعض أنهم وحدهم من يمتلكون المعرفة بتلك الحقائق وليس من حق غيرهم الغوص فى تفاصيلها؟.

يا سادة اعلموا أن الأمم لا تبنى بالسباب والشتائم والتجريح، ثم إننا لا نختلف من أجل أن نفترق وإنما بحثا عن هدف أسمى هو حرية الرأى والتعبير، إننا لا يصح أن نختلف لأنه - كما يقول الفيلسوف العظيم «برناند راسل»: «لا يوجد إنسان فى هذا العالم يمتلك المعرفة الكاملة أو الحقيقة المطلقة»، وما دام الأمر كذلك فالاختلاف قيمة يدرك أهميتها أصحاب العقول والضمائر النقية، وبالتالى علينا أن نصغى للآخرين ونتفهم وجهة نظرهم حتى لو تناقضت مع رؤيتنا، علينا أن نجعل من اختلافاتنا سبيلنا الوحيد لإيجاد علاقات سوية تجمع شتاتنا.

إن تقدم المجتمعات مبنى - فى الأساس- على معرفتها بقيمة الاختلاف، ولن يتحقق لنا ذلك مطلقا ما لم نقف مع أنفسنا ونعيد النظر فى الكثير من قيمنا ومعتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا من أجل تفهم كل منا وجهة نظر الآخر واعتبار الاختلافات التى نتصورها بيننا سبيلنا الوحيد لإيجاد علاقات محترمة بيننا، وبعد ذلك يمكننا الحديث عن أى إصلاح أو ديمقراطية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية