ويمر ملك من الملائكة على ابن القارح صديق أبى العلاء فيسأله: يا ملاك الله أخبرنى عن الحور العين، فيرد الملاك: هن على نوعين، نوع خلقه الله فى الجنة لم يعرف غيرها، والنوع الثانى نقله الله من الدار الفانية لأعمالهن الصالحة!
يسأل ابن القارح: فأين اللواتى لم يكن فى الدار الفانية، وكيف يختلفن عن غيرهن؟!
يقول الملاك: اتبعنى! فيذهب به إلى حدائق لا يعرف كنهها إلا الله!
فيقول الملاك: خذ ثمرة من هذا الثمر فاكسرها فإن هذا الشجر يعرف بشحر الحور! فيأخذ ابن القارح سفرجلة أو رمانة أو تفاحة أو ما يشاء الله من الثمار فيكسرها فتخرج منها جارية حوراء تبرق لحسنها حوريات الجنة، فتقول: من أنت يا عبد الله فيقول أنا فلان ابن فلان فتقول له: وعدت بلقائك قبل أن يخلق الله الدنيا بأربعة آلاف سنة! فعند ذلك يسجد إعظاماً للقدير، ويقول: هذا كما جاء فى الحديث: أعددت لعبادى المؤمنين ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، وما لم يخطر على قلب بشر! ويخطر فى نفسه وهو ساجد أن تلك الحسناء ضاوية، أى نحيفة الجسم، فيرفع رأسه من السجود، وقد صارت أردافها مثل تلال الرمال! ينزعج ابن القارح ويتمنى صغر أردافها، فيقال له: أنت مخير فى تكوينها كما تشاء.
يذهب ابن القارح إلى جنة الحيات، فيجدهن يتلاعبن، يتخاففن، ويتثاقلن، تقترب واحدة منه وتقول: هلم إلى اللذة!
يجرى ابن القارح فتجرى وراءه وتقول: لو شئت لخرجت لك من إهابى «جلدى» وصرت لك من أجمل الغوانى، لو ترشفت «ذقت» رضابى «لعابى»، لعرفت أن صاحبة عنترة «عبلة» كانت نتنة كريهة الرائحة بالنسبة لى!
ملحوظة: كانت عبلة يضرب بها المثل فى حلاوة ريقها «لعابها»، ربما كانت مريضة بالسكر. يجرى ابن القارح هارباً من جنة الحيات، فتجرى وراءه واحدة منهن وتقول: والله لو ذقت حبنا، وخبرت ودنا، لندمت أنك كنت فى الدار الفانية علينا عدوانا، ولما قتلت يوماً حية أو عثماناً «العثمان هو الثعبان الصغير». يذهب بن القارح لجنة العفاريت فيجد على بابها رجلا طويل القامة، فيقول له: السلام عليكم أيها المرحوم، من أنت وما كنيتك حتى أكرمك بها؟ قال: أنا جنى واسمى الخيتعور وكنيتى أبوهدرش، سأله ابن القارح: لماذا أنت أشيب وأهل الجنة شباب؟ قال: كنا فى الدار الفانية أصحاب حولة.. نتحول إلى أى شىء نشاء.. نسمة فى الهواء، ورقة فى شجرة خضراء، حية رقطاء، أما أنتم يا أبناء اللئام فكنتم أصحاب حيلة، فلما توفانا الله جميعاً أعطاكم الحولة، أشيب الشعر أعطاه شعرا فاحم السواد، وبخراء الفم أعطاها فماً رائحته كالمسك، أما نحن فقد حُرمنا من الحولة والحيلة، هوذا الأعشى صاحب أقبح عينين، أصبح له عينان تذيبان النساء!!
أخذ دانتى من رسالة الغفران الكثير ومنها الميتامور فوزس Meta Morphosis أى التحورات مثل ثمار الجنة التى تتحول إلى حوريات! صعوبة الرسالة هى التى حفظتها لنا من الضياع، أجد بعض القسوة فى كلمات الدكتور طه حسين حين يقول: إن أبا العلاء لا يكتب لك أو لغيرك إنما هو يكتب لنفسه وهذه الفئة القليلة من الناس صاحبة العلم الغزير والثقافة العريضة.