x

مكاوي سعيد الناس الذين يعرفوننا جيدًا لا يحبوننا مكاوي سعيد الخميس 26-11-2015 21:27



قال الشاعر «أبللون مايكوف»، أقرب الأصدقاء إلى قلب الروائى الروسى العظيم «دستويفسكى»، فى الكلمة التى ألقاها فى الوداع الأخير للكاتب: «إن أحدًا ليس باستطاعته أن يجيب عن سؤال: مَن هو دستويفسكى؟ إلا أصدقاؤه وأقاربه. وأشار نحو زوجته: اسألوا (أنّا جريجوريفنا) عن فيودور دستويفسكى، ستقول لكم: (أوه، كم كان زوجًا رائعًا! كم أحبنى، وكم أحببته!)، وسيذكر عنه أصدقاؤه كثيرًا من التفاصيل، وكثيرًا من المواقف والطرائف والنوادر، لكنها لن تجيب بأى حال عن الأسئلة الملحة ولن تشفى غليلنا.. لا يهمنى أن أعرف عن عظماء الناس: أى بيوت سكنوا، أو أى ملابس ارتدوا، ولا يهمنى أن أرى الأشياء التى كانوا يملكونها قديمًا، عُلب النشوق القيّمة، القبعات، المحابر وريش الكتابة وهلم جرا، إن كل هذه الأشياء الصغيرة التى كانت لديهم إبان حياتهم ليست سوى ألوان، ولمسات، وتفاصيل تافهة». لذا حرصت زوجة دستويفسكى «أنّا جريجوريفنا» على كل ما تستلزمه كتابة المذكرات من دقة متناهية، وسَعَت لتناول كل الحقائق عن الكاتب الكبير بعناية بالغة وموضوعية، مع الأخذ فى الاعتبار أنها كتبت هذه المذكرات وهى فى أخريات عمرها فى الفترة من عام 1911 حتى عام 1916، علماً بأن دستويفسكى مات فى 27 يناير 1881 أى بعد وفاته بحوالى 30 سنة، وقد كانت عازفة فى البداية عن كتابة هذه المذكرات، لكن بعدما توالت مذكرات معاصريه من الكتاب عن دستويفسكى وهى حاشدة بالمغالطات والاختلاقات العجيبة والأحكام المتناقضة التى تشوه الكاتب الكبير، خاصة بعدما نشرت مجلة روسية خطابا مليئا بالافتراءات، من صديق مقرب من دستويفسكى وعائلته هو «ستراخوف»، موجهاً إلى الكاتب الكبير الكونت «ليف تولستوى»، صاحب الرواية الرائعة (الحرب والسلام).. والغريب أن الخطاب كان مرفقا مع كتاب يتضمن سيرة دستويفسكى كتبه هذا الصديق المقرب «ستراخوف»، ويقول فيه لـ«تولستوى»: «أرجو منكم أن تولوا كتابى عن (سيرة دستويفسكى) عنايتكم وتتفضلوا بإبلاغى برأيكم فيه. وبالمناسبة أود أن أعترف لكم بأننى كنت فى صراع دائم طوال الكتابة. كنت أصارع شعورى بالنفور الذى راح يتصاعد بداخلى. وأحاول كبح هذا الشعور البغيض فى نفسى. لقد كان شريرًا، وحسودًا، وكريهًا، وقد قضى حياته كلها فى اضطراب وتشوش جعلا منه كائنا بائسا، وربما مضحكًا»، كما استشهد هذا الموتور بكلمة تولستوى: «إن الناس الذين يعرفوننا جيداً لا يحبوننا بطبيعة الحال» حتى يقنع تولستوى بوضاعة دستويفسكى، لذا كتبت زوجة دستويفسكى هذه المذكرات، التى لحسن الحظ كانت تسجلها كيوميات لطبيعة عملها فى الاختزال، لتكشف لنا عبقرية هذا الكاتب الكبير والسمات الرفيعة لصورته الأخلاقية، لتصبح هذه المذكرات الأكثر صدقا، بعد كم أدب المذكرات الهائل والمتناقض الخاص بدستويفسكى، لأنها تعتمد على رؤية حية عن الكاتب العظيم فى أخصب فترات إبداعه (1866-1881) تلك الفترة التى أنتج فيها روائعه مثل «الجريمة والعقاب» و«الإخوة كارامازوف».. تحية كبيرة للمترجم الكبير «أنور إبراهيم» الذى ترجمها من اللغة الروسية، وللمركز القومى للترجمة، الذى اهتم بإصدار مذكرات زوجة دستويفسكى هذا العام.

الناس الذين يعرفوننا جيدًا لا يحبوننا

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية