أنج سان سوتشى أو الليدى «The Lady»، كما يحب أن يلقبها أهلها فى ميانمار «بورما سابقاً»، هى زعيمة المعارضة التى خاضت الانتخابات البرلمانية على رأس حزب الجبهة الوطنية للديمقراطية (NLD)، فى 8 نوفمبر 2015، وهزمت الحزب الحاكم المدعوم من المؤسسة العسكرية هزيمة ساحقة، حيث استطاعت أن تفوز بما يفوق 80% من عدد 490 مقعداً مطروحاً للمنافسة، فى أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة منذ 25 سنة، وذلك بعد أن شارك أكثر من 24 مليون مواطن من إجمالى 30 مليون ناخب بنسبة حضور تجاوزت 80%، (وهى مشابهة لنسبة التصويت فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى تركيا)، وتلك النسبة دالة على رغبة شعب من دول العالم «الرابع» فى خوض معركة التحول إلى الديمقراطية، وهى النسبة التى كنا نتطلع اليها فى انتخاباتنا لبرلمان 2015 بدلاً من النسبة المتدنية، التى دافعت عنها اللجنة العليا للانتخابات، بغير وجه حق وخارج اختصاصها الأصيل، حيث زعمت أن تلك النسبة «المقبولة» تتماشى مع المعدلات الدولية. سوتشى هى ابنة الجنرال أنج سان، الذى قاد النضال فى بورما من أجل التحرر من الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، وتمكن من تأسيس جيش بورما الحديث، وقاد مفاوضات الاستقلال مع المستعمر، إلى أن اغتيل فى ذات السنة (1947)، وهى أيضاً ابنة الدبلوماسية فى بورما، حيث كانت والدتها سفيرة لبلادها فى الهند وبلاد أخرى، هى زعيمة المعارضة فى ميانمار منذ سنة 1988 بعد عودتها من الغربة فى إنجلترا وقيادتها المظاهرات العارمة المطالبة بالحرية والديمقراطية، والتى اجتاحت البلاد فى 8 أغسطس 1988 وعُرفت بمظاهرات 8888 فتزعمت خلالها الحزب المعارض للسلطة العسكرية، وفازت معه فى انتخابات 1990 بـ 392 مقعدا من 485 مقعدا من مقاعد البرلمان (81%)، فكان رد السلطة الحاكمة هو إلغاء الانتخابات ووضع أنج سان سوتشى تحت الإقامة الجبرية House arrest قرابة 25 سنة غير متواصلة، إلى أن تم الإفراج عنها فى 2010، هى الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1992 بسبب «صراعها السلمى من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولشجاعتها فى صراعها ضد الاستبداد»، وعلى العديد من الجوائز الأخرى مثل وسام الكونجرس الأمريكى، جائزة سخاروف، جائزة نهرو وغيرها.
هى ابنة ميانمار، هذا البلد الصغير الفقير الذى يجاور الصين والهند وتايلاند، والمطل على خليج البنجال، هذا البلد المستعمر منذ 1886 من الإمبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها، وهذا البلد البعيد عنا أخرج للعالم- بخلاف الليدى العظيمة- السيد يوثانت، الذى اختير سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة لمدتين متتاليتين من 1962 إلى 1971 (بخلاف استكمال مدة داج همرشولد، الذى سقطت طائرته فوق مقاطعة كاتنجا فى أفريقيا، والتى قيل إنها أُسقطت، لمنعه من استكمال مفاوضات السلام بها).
هى المرأة الرقيقة ذات الـ 70 عاما، والتى لا تزن أكثر من 45 كجم، والتى قادت شعب ميانمار إلى التحرر من السلطة الفاشية فى بلادها، وهى التى رفضت أن تغادر وطنها، بعد أن عَرضت السلطة عليها الرحيل إلى إنجلترا، حيث يقيم زوجها إنجليزى الجنسية وابناها، لأنها كانت على يقين بأنها ستُمنع من العودة إلى بلادها، هى بنت الحسب والنسب التى رفضت العيش الرغد فى بلد خارج وطنها، وفضلت أن تُحبس فى ميانمار مثل شعبها من أجل الحصول على الحرية والعيش الكريم، هى التى لم تتمكن من تسلم أى من الجوائز العالمية التى حصلت عليها، هى مثال المناضل الوطنى الذى يرفض أن يترك وطنه عندما يكون شعبه فى أَمَسّ الحاجة إليه، على عكس هذا الشخص الذى تصورنا نحن المصريين أنه يمكنه أن يقود بلادنا إلى التحول الديمقراطى، نحن الذين طالبناه وهتفنا له بأن «يشد القلوع ومفيش رجوع»، ولكن فى النهاية خذلنا وتخلى عن النضال وعنا، إلى أن غادر مصر، غير مأسوف عليه وبغير رجعة. هذه السيدة أمامها مشاكل جمة ومعقدة يجب عليها مواجهتها لتحقيق طموحات شعبها والارتقاء بمستوى معيشته، وأهمها القضاء على تجارة الأفيون التى تُعتبر ميانمار أحد أكبر مورديه، وإعادة التوازن والتوافق بين القوميات المختلفة، وعلى الأخص الظلم البين الواقع على الأقلية المسلمة، التى تمثل 4% من سكانها، والتى لا حقوق لها، حيث يعتبرهم القانون من المهاجرين، كما لها أن تعيد صياغة الدستور، كى تتخلص من باقى سلطات النظام العسكرى وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، وأنا على يقين بأن المرأة التى صمدت لمدة 25 سنة أمام القهر والإقامة الجبرية، المرأة التى انتصرت على جبروت السلطة المطلقة، المرأة حديدية الإرادة، التى أثبتت لشعبها وللإنسانية أن الخير سينتصر حتماً مهما طال الزمان، هى التى ستقود ميانمار إلى مستويات من النمو الاقتصادى والاجتماعى مماثلة للدول الآسيوية الأخرى التى سبقتها إلى الديمقراطية.
عقبالنا يا رب.