x

أيمن الجندي «ومن لم يحكم بما أنزل الله» أيمن الجندي الأربعاء 25-11-2015 21:09


أسفت كثيرا لدماء القضاة الذين تم استهدافهم فى العريش. ودائما ما يستشهد التكفيريون بآيات سورة المائدة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/ الظالمون/ الفاسقون) لتبرير استباحتهم للدماء المصونة. فتملكنى الفضول أن أبحث عن تفسير الإمام محمد أبى زهرة (١٨٩٨- ١٩٧٤) لها. ولا شك أن تفسيره للآيات له أهمية خاصة كونه إماما وثيقا فى فقهه، مُجمعٌ على علمه وتقواه. فهو الذى فسّر القرآن (زهرة التفاسير)، وكتب السيرة (خاتم النبيين)، وصاحب أشهر المؤلفات عن الأئمة، وهو الخبير فى الفرق والمذاهب.

وخلاصة ما كتبه الإمام هو أن الأوصاف الثلاثة (الكفر/ الظلم/ الفسق) ناسبت بداية كل آية. ففى الآية ٤٤ كان الحديث عن العقيدة: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.. الآية).

فناسب أن يكون حكم جاحدها الكفر.

أما فى الآية ٤٥ فقد كانت تشتمل على أحكام عملية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين.. الآية)، فناسب أن يكون عدم تنفيذ هذه الأحكام ظلما (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).

أما الآية الثالثة ٤٦ (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم) فكان الحكم بالفسق مناسبا لمواعظ الإنجيل بما اشتمل عليه من أخلاق روحانية نبيلة فمن تركه كان فاسقا (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).

■ ■ ■

ويوضح الإمام محمد أبوزهرة أيضا متى يكون ترك الحكم بما أنزل الله كفرا ومتى يكون ظلما/ فسقا:

«والذى يظهر لى أن الذى يحكم بغير حكم الله مستهينا به مستنكرا له يعد كافرا (وهذا أمر طبيعى لأن من جحد القرآن فماذا تبقى له من إيمانه؟!)». وقد قال فى ذلك ابن عباس: «من جحد حكم الله فقد كفر، ومن لم يحكم به وهو مقرٌ بما فيه فهو ظالم فاسق».

■ ■ ■

وفى تفسير الإمام أبوزهرة فوائد ثمينة. حيث خالف جمهور الفقهاء فى تفسير (النفس بالنفس)، حيث رأى أنها تشمل العبد والحر دون تخصيص لأن العبرة فى التساوى فى الإنسانية. كما خالف بعض الفقهاء فى أن جوارح المرأة كجوارح الرجل (ولهذا تطبيق عملى فى الديات). وأكد أن المساواة هى الأمر الذى يتناسب مع مقاصد الإسلام الذى حرم الظلم، ولا ظلم أبلغ من هذه التفرقة.

■ ■ ■

بالطبع هذا التلخيص السريع الذى اقتضته مساحة المقال لا يغنى عن العودة للأصل، ولكن يبقى السؤال المحير: «ما سبب عدم شهرة الإمام محمد أبوزهرة برغم رسوخ علمه؟».

والجواب مؤسف. إنها السلطة التى تريد فى كل زمان ومكان أن تدجّن العلماء وتدخلهم فى حظيرة الطاعة. وهذا ما رفضه الإمام أبوزهرة بتاتا. كان عبدالناصر ضيق الصدر به لمواقفه الشجاعة. ثم حدثت القطيعة النهائية حين رفض أن يُستخدم فى حروب السلطة مع معارضيها. فصدر الأمر بحظر ظهوره فى الإذاعة والتليفزيون، وهما وسيلة الانتشار فى عصرنا.

لكن السلطة قصيرة النظر دائما، لأن مشايخ السلطان لا تأثير لهم على العامة، وهكذا أُخليت الساحة للمتشددين والتكفيرين، ودفعت السلطة الثمن بعد ذلك غاليا.

نصيحة مخلصة: حافظوا على المسافة بين السلطة وعلماء الأزهر إذا أردتم مواجهة حقيقية للفكر التكفيرى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية