لا أظن أن هناك مَن يختلف معى على أن الزمالك خسر كثيرا برحيل المدرب البرتغالى فيريرا، فالرجل العجوز سناً المخضرم فنياً حقق المعجزة، التى عجز عن إنجازها عشرات المدربين المصريين والأجانب، وفشلوا جميعاً فى عمل توليفة من مئات اللاعبين الذين مروا على الزمالك خلال الإحدى عشرة سنة الماضية، وأكثرهم كان يمتلك من المهارات والإمكانات الفنية ما يفوق الجيل الذى فاز ببطولتى الدورى والكأس، وكان قاب قوسين أو أدنى من السوبر، لولا حكمة زيزو ورجولة لاعبى الأهلى فى الوقت الصعب.
وعندما أقول إن فيريرا حقق المعجزة فلا أقصد أن أستثنى مجهود اللاعبين وما بذلوه من جهد أو الإدارة، التى- وإن اختلفت مع كثير من تصرفاتها وأسلوبها ومازلت- فلا أنكر أنها وفرت من الإمكانات المادية والحماية الإعلامية ما دفع الفريق للعمل فى مناخ أفضل عن باقى منافسيه.. ويستوقفنى فى رحيل فيريرا، الذى أراه منطقياً وطبيعياً لأى مدرب يحترم نفسه ويصون كرامته مجموعة من النقاط:
أولاً: لم أسمع أو أقرأ مَن يفسر لنا السبب الحقيقى لرحيل مدرب ناجح عن فريق واعد بالبطولات، فرغم فداحة الموقف والخسارة التى لحقت بالفريق والأسلوب الذى هرب به المدرب الناجح، فإن الإعلام لم يشغل نفسه ولم يوجه الاتهام للمسؤول عن هذه المشكلة ويُحمله نتيجة خطئه وتصريحاته الملتهبة والمُهينة للمدرب، فى وقت أراه فيه يُقيم الدنيا ولا يُقعدها على أمور تافهة وأخبار كاذبة وملفقة يتم فيها التشهير بمؤسسات ومسؤولين لا يتمتعون بنفس الحماية التى تتمتع بها إدارة الزمالك، وهى نقطة جوهرية ومفصلية يجب أن يتوقف أمامها الرأى العام، حتى يفرز ما يتلقاه من إعلام موجه وآخر موضوعى، فالمقارنة والتحليل والاجتهاد فى الفرز باتت هى الطريقة المثلى للمتلقى، حتى يختار الوسيلة التى يثق فيها، فى ظل غياب المعايير الأخلاقية والمهنية فى العمل الإعلامى.
ثانياً: وقعت إدارة الزمالك أو بعض المتشددين فى خطأ أخلاقى أراه فادحاً عندما سربت صورا شخصية للمدرب وهو يشرب الخمر، ثم خرج مَن يتهمه بأنه مدرب سكرى، وهو كلام يدين المؤسسة قبل أن يدين المدرب، فإذا كان الكود الأخلاقى لإدارة الزمالك يرفض مثل هذا السلوك الشخصى من مدرب أجنبى لا يجرم مجتمعه شرب الخمر، فلماذا وافقت على استمراره؟ أم أنها اكتشفت أنه مدرب سكرى ويأتى التدريب مخموراً بعد أن هرب؟.. فإدارة الزمالك التى تسعى لضرب تعاطف الجماهير مع المدرب البرتغالى أدانت نفسها بهذا الرد المنفعل.
ثالثاً: رغم أن رحيل فيريرا خسارة كبيرة، فإن الشواهد تقول إن إدارة الزمالك لديها من سرعة رد الفعل والقدرة على اتخاذ القرار ما يخفف من حدة القلق على الفريق، ففى الموسم الماضى حدث نفس الموقف وهرب مدرب وأُقيل اثنان آخران، ولكن الإدارة تداركت المشكلة ونجحت فى لم شمل الفريق وحققت ما لم يتوقعه أحد فى مثل هذه الظروف، وفازت بالدورى والكأس، عكس مجلس إدارة الأهلى الذى تعرض لمشكلة مع مدربه الإسبانى جاريدو، فاتخذ قراراً تقليدياً بإسناد المهمة لمدرب مؤقت، ولم ينتبه إلى أنه جاء مؤقتاً إلا بعد أن خسر الفريق الجلد والسقط.
■ ■ ■
لم أنكر على مانويل جوزيه- مثل آخرين- طريقته فى التعبير عن غضبه من إدارة الأهلى، بسبب استبعاده من العودة لتدريب الفريق، لكبر سنه، بظهوره فى برنامج تليفزيونى وهو يرتدى ذقنا ولحية بيضاء ويسير على عكاز، ولكنى أيقنت أنها كانت صائبة فى قرارها عندما سمعت تصريحه التليفزيونى واتهامه لمسؤول زملكاوى بالجنون، فى معرض تعليقه على رحيل مواطنه فيريرا، فلو أن هذا التصريح قاله وهو مدير فنى للأهلى لانقلبت الدُنيا، واشتعلت الفتنة بين جماهير الناديين، وتورطت الإدارتان والوسط الكروى كله فى أزمة طاحنة قد يُلغى الدورى بسببها.
■ ■ ■
الآن بِتُّ على قناعة أن النادى الأهلى سيظل فى مرمى سهام النقد والتقطيع والضرب تحت وفوق الحزام، حتى لو فاز ببطولة كأس العالم للأندية، ووقتها ستجد مَن يقول: محمود طاهر اشتراه، ريال مدريد باع المباراة، برشلونة مكانش فى يومه، «ده كاس صفيح»، سيقولون أى شىء إلا أن يُرجعوا الفضل لأصحابه أو يثنوا على المجتهد، هذا الأمر أراه واضحا وجلياً فى حفلات التقطيع الليلى الذى لا ينتهى، فبعد أن أغلقوا ملف سحب شارة الوطنية عن الأهلى، بسبب شراء ملابسه من مصنع سعودى فى تركيا، انطلقت حملة الدفاع عن حقوق الحيوان والدعاء للمولى عز وجل لإدخال مجلس إدارة النادى جهنم دون حساب، لأنهم سمموا القطط وأزعجوا مدام «شوشو وسوسو وتوتو وميمى» فى منامهن، فجئن يتظاهرن ويطالبن برحيل الإدارة «الفاجرة» الظالمة القاتلة، وعن نفسى أراه تصرفاً أحمق يجب محاسبة مَن ارتكبه لو ثبت بالفعل أنه قام بتسميم القطط وليس تخديرها، ولكن ما هو أحمق منه ما سمعته من أحد المذيعين المدافعين وهو ينبرى مشيداً بموقف إدارة الزمالك من نفس المشكلة بنصب مصيدة كبيرة لصيد القطط، ثم إلقائها فى صحراء 6 أكتوبر، ولم يقل لنا ماذا ستفعل القطط فى الصحراء وهل ستجد ماء وطعاما أم أنها ستموت من الجوع والعطش، وهنا نحتاج فتوى شرعية من دار الإفتاء: على مَن ينطبق قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (عُذّبت امرأة فى هرّة، حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هى أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)؟ وهل سيدخل مسؤولو الزمالك النار لإلقاء القطط فى الصحراء دون طعام أو ماء أم أن النار محجوزة لإدارة الأهلى؟
فالمشكلة كما أراها ليس ما يفعله الأهلى أو إدارته، إنما الأزمة فيمَن يتربص لأتفه المشاكل والقضايا ويحولها إلى قضية رأى عام مثل قصة حفل توقيع الأهلى أكبر عقد فى تاريخه مع شركة «صلة»، فبدلاً من أن يكون يوما للابتهاج والسعادة والانتصار، يتم الآن تفريغ الحفل من مضمونه وقتل الفرحة فى نفوس جماهير النادى والإنجاز الذى حققه ناديهم، وتجدنا مشغولين: لماذا دعوا حسام وإبراهيم؟ وأين عصام الحضرى؟ وكيف تدعون الغندور؟ وأين أهالى الشهداء وأسرة الراحل محمد عبدالوهاب؟.. وبعد أن فرغوا من الأسئلة والاتهامات، تفرغوا لنشر اعتذارات نجوم الأهلى عن عدم الحضور- وأغلبها غير صحيح- بغرض إعطاء انطباع بفشل الحفل، فحتى الفرحة المستحقة للعقد الخيالى الذى أبرمه الأهلى يتم قتلها.
■ ■ ■
فى الأهلى مازالوا يبحثون عن الشخص الذى يقوم بتسريب اجتماعات مجلس الإدارة، حتى طال التسريب رئيس النادى ونائبه، رغم أن حنفية التسريب موجودة فى ميدان عام، ولكنها محمية من المسرب، والحنفية هى عضو مجلس إدارة يقوم بتسليم تسجيلات الاجتماعات إلى شقيقه المعروف بعدائه للمجلس، بعد غل يده عن المشاركة فى إدارة النادى، وهو لمَن لا يعلم يُدير غرفة عمليات لتوزيع الأخبار المُسَرَّبة على موقعين إلكترونيين وصحيفة، ومعهما إعلامى القطط.