أفرزت الانتفاضة انقسامات داخل حركة السلام الآن، منها ما كان رد فعل ضد المحاذير التى تبنتها الحركة فأضعفتها، ومنها ما أعلن أنه فى إمكانه المشاركة إذا ما قبلت الحركة الانفتاح على حركات أخرى، وقد كان، إذ انبثقت مبادرة أُطلق عليها اسم «الخط الأحمر» فى يناير 1988 ودعت إليها جماعة من العرب واليهود انطلقت من لبنان إلى القدس للاحتجاج ضد بناء المستوطنات فانضمت إليها جماعات أخرى أثناء المسيرة. وبعد ذلك أقاموا احتفالاً بالسلام فى تل أبيب كان جاذباً لآلاف الإسرائيليين. وإثر ذلك أنشأت جماعة من الأطباء جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت مهمتها تقديم المساعدات الطبية فى الأماكن التى تكون خالية من الرعاية الطبية.
وفى إبريل من ذلك العام أطلقت مبادرة أخرى من قبل كبار الضباط المتقاعدين وصل عددهم إلى أكثر من مائتين وانضم إليهم علماء اقتصاد ودبلوماسيون وخبراء أكاديميون فى السياسة الدولية. وأنشأ هؤلاء مجلساً أطلقوا عليه اسم «مجلس السلام والأمن»، الغاية منه الدعوة إلى أن السلام أمر لازم لأمن إسرائيل وإلى أن هذا الأمن ليس فى حاجة إلى بناء المستوطنات بل ليس فى حاجة إلى أراض محتلة.
وفى ديسمبر من ذلك العام كونت الأمهات الإسرائيليات جماعة اسمها «أمهات ضد الانحراف»، غايتها إقناع الشعب الإسرائيلى بأن الحرب ضد الانتفاضة مدمر لأخلاقيات الأبناء. وبهذا المعنى أرسلت هذه الجماعة رسالة إلى وزير الدفاع إسحق رابين. ومن هنا حرضت هذه الجماعة الحكومة الإسرائيلية على منع الجيش الإسرائيلى من ممارسة إجراءات حمقاء تفضى إلى الإحساس بالخجل والعار.
استجاب رابين لنداء الأمهات فأعلن أن المفاوضات هى الحل. إلا أن شيئا من ذلك لم يكن له أى أثر.
إلا أن أهم انقسام حدث فى حركة السلام الآن بسبب الانتفاضة هو تأسيس جماعة عُرفت باسم «أمهات فى الحداد». واللافت للانتباه أنه بالرغم من أن الرجال هم الذين أسسوا حركة السلام الآن إلا أن النساء كن يشكلن الغالبية العظمى ليس فقط فى هذه الحركة بل فى أى حركة من حركات السلام. ومن هنا يمكن القول بأن الانتفاضة قد أدت دوراً هاماً فى دفع النساء الإسرائيليات نحو المشاركة السياسية الفعالة. ومن هنا أيضاً يمكن القول بأن الصراع العربى الإسرائيلى لم يقف عند حد الحروب التى أشعلها الرجال بل تجاوزها إلى إدخال الشعب الإسرائيلى برمته بما فيه النساء والأطفال فى عملية السلام.
وفى يناير من ذلك العام أنشأت جماعة من النساء «الحزينات فى صمت». يلبسن الرداء الأسود ويقفن كل يوم جمعة لمدة ساعة رافعات لافتات مكتوباً عليها «أنهوا الاحتلال» ولكنهن تغلغلن فى جميع حركات السلام. وكان من شأن هذا التغلغل تكوين جماعات مماثلة للحزينات فى صمت فى تل أبيب وفى حيفا. ومع أن هذه الجماعات سمحت للرجال بالانضمام إليهن إلا أنهن حرصن على أن تكون الأغلبية للنساء حتى لا يتم استبعادهن من المشهد السياسى. ومع ذلك فإنهن لم يسلمن من تهكم الرجال إلى الحد الذى أدى إلى تدخل البوليس. إلا أن الملفت للانتباه هو انضمام النساء الفلسطينيات إلى هذه الجماعات النسائية الإسرائيلية. ومن هنا تأسس تحالف فى نهاية عام 1988 تحت اسم «النساء والسلام» وقمن بمظاهرة مكونة من أربعة آلاف من النساء الإسرائيليات والفلسطينيات فى 29 ديسمبر من ذلك العام. وفى مارس 1989 تأسست جماعة اسمها «على صورتنا».
والسؤال إذن:
ما هى؟ وماذا كانت رؤيتها؟