اهتم جمال عبدالناصر بالثقافة والفنون لكي تقف حائط صد في مواجهة معارضيه وأنشأ الثقافة الجماهيرية بهدف رفع الوعي الجماهيري والترويج لفكره القومي والشمولي وأهملها السادات وسعى لتحرير الجماعات المتشددة المناهضة للفكر التنويري والناصري حتى طالته أياديهم السوداء، بينما اتخذ مبارك موقفاً وسيطاً فكان يهملها آناً ويدعمها أحياناً.. فأين ترى الثقافة في عهدك؟..
إذا كنا قد ملأنا الدنيا صياحاً بأن مواجهة الإرهاب الأسود ليست بالأمن وحده وأن تجديد الخطاب الديني مهمة وطنية من الطراز الأول وأن رفع الوعي ومحاربة التطرف مسؤولية المثقفين والفنانين بما لهم من جماهيرية في شعبهم.. فكيف سيحدث هذا بينما لم تلتق بالمثقفين ولم تدعهم ولو مرة واحدة طوال عام ونصف! بينما اقتصرت لقاءاتك بالفنانين الكبار في إطار الترويج للجولات والزيارات في الداخل والخارج دون لقاء مخصص لطرح الرؤى أو حتى تبادل وجهات النظر معهم عن دورهم الوطني ودور فنهم في توحيد الصف أو الاستماع لشيء من مشكلات يرونها في وطنهم الجديد الذي يحلمون بتحقيقه ويحلم به معهم قطاعات كبيرة من الشعب المصري.
كيف يرتفع الوعي والثقافة الجماهيرية مازالت تدار بكوارث إدارية بيروقراطية وآلاف المصريين من غير الحقل الثقافي والتنويري والمحارب للتشدد والتطرف والمواقع الثقافية التابعة لها تبلغ ٥٦٠ موقعاً بين مغلق أو متهدم أو يعج بغير المثقفين أو الفنانين أو حتى المهتمين بالشأن الثقافي!. متى التقيت بأي من وزراء الثقافة الثلاثة في عهدك واستمعت لرؤيته أن ناقشته في المستجدات وآليات محاربة التطرف والاستغلاق الفكري! ولا مرة واحدة!! ربما التقيت بوزير الآثار مرة أو اثنتين لمناقشة مشكلات كبيرة تخص الآثار أثارتها وسائل الإعلام والتقيت بغالبية وزراء الحكومة خلال عام ونصف.. متى حضرت حدثاً ثقافياً في وزارة الثقافة.. حتى افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب لم يحظ بحضورك واهتمامك.. باستثناء زيارتك لدار الأوبرا في عيد الفن وزيراً للدفاع في عهد الرئيس السابق عدلي منصور واستقبلتك الأوبرا بتصفيق أسطوري أثار فينا الكثير من الأمل بمستقبل ثقافي وفني مزدهر بينما مازلنا في انتظار تحقيق هذا الأمل وحضورك لعيد الفن ودعوة الفنانين للقائك وتكريمك للرواد منهم.
أما المرة الثانية فكانت ضمن فعاليات استقبال الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتن والترحيب به في زيارته الأخيرة للقاهرة وكان الحفل روسيّاً أكثر منه مصريّاً!.. ننتظر منك اهتماماً أكبر بالثقافة والمثقفين والفنانين.. وحضورك لعيد الفن وتكريمك لرواد الفن المصري.. وافتتاحك لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.. ودعوتك لرموز الثقافة والأدب والفن الفائزين بجوائز الدولة وتكريمك لهم.. ننتظر منك تحرير الثقافة الجماهيرية من كوارث المركزية البيروقراطية الوظيفية الهدّامة ودعم مواقعها الثقافية بمخصصات مالية مناسبة لتنفيذ البرامج التثقيفية والفنية ومراجعة انتماءات القائمين على القصور المنتشرة في أنحاء مصر وتمكين شباب الفنانين من إدارتها.. ننتظر منك لقاءات دورية ولو نصف سنوية بالمثقفين والفنانين كي يشعر كل هؤلاء المنتمين للثقافة والفن في مصر بأهمية دورهم ودعم قيادتهم السياسية للوعي والتنوير.