أكاد أجزم أن غالبية المصريين يعانون من ازدواج الشخصية فى القول والفعل متمثلا ذلك فى التناقض الصارخ بين ما يقولون وما يفعلون، بين ما يروّجون له وما هم له ممارسون، بين ما يصرحون به جهرا وما يخفون، وغنى عن الذكر أن هذه هى عيوب الطبيعة البشرية فى أى مكان بالعالم، ولكن كالعادة فإن المصريين يضفون لمستهم الخاصة على الأشياء، فبالرغم من أنهم مدركون لهذا الازدواج بين تصريحاتهم وتصرفاتهم فإنهم لا يستهجنون هذا التناقض بل يقبلون به ويبررونه «بوجه مكشوف» بلا حرج وبدون أن يقلق ذلك ضميرهم الشخصى أو المهنى بمثقال ذّرة، حيث يستمرون فى هذا المسلك المعيب سادرين فى طمأنينتهم وكأنها مسرحية يشارك الجميع فيها بأدوار مزدوجة الشخصية، يغيّرون فيها الأقنعة دون أى تردد فى لحظات متعارف عليها وفقا لفصول المسرحية.
وإذا لم يكن الأمر كذلك إذن فلتفسّروا لنا ما يتكرر بانتظام على شاشات وسائل إعلامنا وبكثافة على مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بنا من موجات الهجوم الموسمية من عموم المصريين بقيادة بعض نجوم الإعلام على تصرفات أو سلوكيات بعينها تتكرر فى حياتنا العامة يوميا ويتم غض الطرف عنها دون مبالاة من جانب نفس هؤلاء الأشخاص المتشنجين فى أوقات مختلفة وفقا لأجندات متغّيرة، والأدهى من ذلك أن حضراتهم يغيّرون البوصلة والأقنعة ويتصرفون باختلاف دون حرج بل بجرأة ليس لها نظير دون تردد أو تلعثم، بل ببرود وكأنهم كانوا مستقرين على هذه الضفة من النهر طوال الوقت، بالرغم من أن ملابسهم مازالت تتساقط منها قطرات الماء بسبب سباحتهم من ضفة إلى أخرى باستمرار ودون انقطاع وفقا لتغيّر المصالح والمنافع والمزايا.
ولاشك أننا جميعا فى الجانب المؤيد للموضوعية والمهنية والمصداقية واحترام القيم والأخلاق ولكننا أيضا يجب أن نكون فى صف تطبيق ذلك والإيمان به فى جميع الأوقات وتحت كل الظروف وبشأن كافة القضايا دون استثناء، ولن يصلح ذلك وتتحقق مقاصده دون أن نكون ضد الانتقائية فى تطبيق القانون وقواعده، بما يسمح لضعاف النفوس بتجريم الأعداء والمنافسين والتغاضى عن أخطاء الأصدقاء والمؤيدين، الأكثر من ذلك يجب أن نقبل بأن نكون أكثرا عدلا وتواضعا وتسامحا فى إصدار الأحكام القيمية على الآخرين، من خلال تصنيفهم وإلصاق التهم بهم والاستعلاء عليهم وكأننا أفضل منهم، أمّا هذه الفورات الموسمية فى الدفاع عن الأخلاق أو القيم أو المهنية أو احترام حقوق الإنسان فلن تعنى شيئا أو تأتى أكلها إذا لم تقترن بتغيير طريقة تفكير المصريين أنفسهم، من خلال إصلاح مناهج التعليم ومحتواها والقنوات الثقافية ومبتغاها والرسائل الإعلامية ومغزاها.
وإذا تقاعسنا عن القيام بذلك بأسلوب جاد وموضوعى فى المحاسبة والمساءلة فإننا سنظلّ مراوحين مكاننا، تعلو أصواتنا فى المناسبات لنتباكى على الأخلاق والقيم ونحن موقنون داخلنا أننا كاذبون ومنافقون متظاهرون بالفضيلة ما دمنا غير مجبرين على الالتزام بها فى حياتنا الخاصة، والأخطر من ذلك أننا ولا محالة سنقضى على مستقبل الأجيال القادمة التى تشاهد تصرفاتنا وتقتدى بممارساتنا لتتعلم أن القول ليس له علاقة بالفعل، مما سيؤدى بنا قريبا إلى تلك اللحظة التى ستتفوق فيها علينا فى الانتهازية وإعلاء المصالح الخاصة على المصلحة العامة ليصبح التمتع بازدواج الشخصية بالنسبة لثقافتها من مسوغات التعيين مقرونا بشهادتى سوء السير والسلوك وإتقان المزايدات والمهاترات، وبالتالى فلا عزاء لمن يسايرون الموجة خشية المجابهة.. وهنيئا لكم بشخصياتكم المزدوجة.