x

جمال الجمل موتي يا دولة العواجيز جمال الجمل الثلاثاء 03-11-2015 10:17


(1)

أنفقت وقتا طويلا (6 ساعات عمل متواصلة) في تحليل خطاب الرئيس في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، في المشاهدة الأولى ركزت على مضمون القضايا وطريقة ترتيبها وعرضها (مثلا لماذا بدأ بالوقوف دقيقة حدادا على ضحايا الطائرة الروسية؟ ولماذا أعطى أولوية للأمن واكتفى بجملة عارضة غامضة عن مطلب تعديل الدستور!)، كما حاولت التعرف على مصادر الخطاب، مثلا ما يخص الرئيس نفسه ومؤسسة الرئاسة وما يخص الحكومة، مثل تقرير وزارة الداخلية عن حالة الأمن وترتيب مصر في مؤشر الأمن الجنائي، وما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، وتقارير الحكومة الأخرى عن مدينة الأثاث بدمياط وشق الطرق وتطوير مرفق السكة الحديد وما إلى ذلك.

(2)
في المشاهدة الثانية ركزت على تحليل اللغة والصياغات المستخدمة، والتفرقة بين الفقرات المكتوبة، والفقرات المرتجلة على الهواء، وطريقة الإلقاء، والعبارات التي توقف عندها الرئيس ليدقق كلمة (مثل لفظ "التعاون"مع الجانب الروسي في استجلاء حقيقة حادثة سقوط الطائرة)، أو يكرر عبارة للتأكيد والتنبيه (مثل 150 مليار جنيه.. 150 ألف مليون جنيه)، أو يستبعد لفظا (مثل الشاطر اللي يغزل بـ.... أو الناس اللي بيهاجمونا)، وفي هذه المشاهدة أيضا سجلت التعبيرات المكتوبة تحريريا في الخطاب (مثل "التحدي والأمل"، "الوعي والإعلام"، "نمشي في مسارين"، "على قلب رجل واحد") وهي تعبيرات قليلة اجتهد في تحويلها من الفصحى إلى العامية، إذا قارناها بالتعبيرات العفوية التي يفضلها الرئيس (مثل "مافيش تحدي يقلقنا أبدا غير وحدة المصريين"، "بنحمي دولة مش بنحمي نظام"، "مايصحش كده"، إيده ده؟.. إيييييه ده؟"... "انتو لسه بتتخانقوا؟"، "بكام؟"، "مش عاوز أنكد على المواطن.. بس كمان مش هخدعه"، "عاوز أطمنكم"، "الموضوع يخوف؟"، "أنا بطبطب على كله"...).

(3)
في المشاهدة الثالثة ركزت على لغة الجسد، وتنويعات الصوت، وخريطة الانفعالات، والشحنة النفسية التي تعبر عنها كل فقرة في الخطاب، ومناطق التصفيق، ورد فعل هذا التصفيق على الجملة التالية للرئيس، وهذه المشاهدة بالذات كانت الأصعب، لأنها أخرجتني من حالة التحفز للتناول الرقمي الذي فرضه الرئيس على جو الخطاب، ونقلتني إلى الدراما الإنسانية بتناقضاتها المحيرة، ومع استغراقي في التفكير لمست حجم الضغط الذي يعاني منه الرئيس، فهو يجتهد ليبني البيت ويوفر الكهرباء والطاقة وفرص العمل، ويتعب كثيرا بالفعل من أجل هذا، ثم لا يجد التقدير الكافي من الأولاد الغاضبين، لأنهم يتصورون أن هذه الأمور بديهية، ويطالبون برفاهية لم يأت أوانها (مثل الحريات، والمطالبة بتغيير معادلة القوى الحاكمة التي أفرزها نظام مبارك، والسعي لدولة قانون بمعايير معلنة، وكف يد الأجهزة عن التلاعب باستحقاقات الشعب) إلى آخر هذه القائمة من المفردات التي تحدد مدى اقتراب أو ابتعاد أي شخص (أو مجتمع) من شروط العصر، فالعصرية ليست "برنيطة" يرتديها الأفريقي" فيصير أوروبيا!

(4)
المشاهدة الثالثة كانت كفيلة بإهدار كل الجهد والتفكير الذي بذلته، وكل الأرقام التي جمعتها، والمقارنات التي أعددتها بين هذا الخطاب وبين خطب سابقة، خاصة خطاب الرئيس في افتتاح وختام المؤتمر الاقتصادي، فجأة شعرت بأن الكتابة عبثية، ومجرد سطور "يتفشخر" فيها كاتب بمقارعة أرقام، وعرض معلومات تزيد الانقسام، من غير أن تخاطب العقل أو تفتح مخ أحد للتفكير، لقد اكتشفت أن الخلاف في المفهوم وليس في الإجراءات.. في النظرة للحياة وليس في برنامجها، في الفكر وليس في السياسة، وهو شيء أشبه بخلاف الأجيال، كل جيل يتعب من أجل ما يتصور أنه الحق والأحق، ما يعتبره الهدف والغاية، ويحدد أسلوبه ويجهز أدواته لتحقيق ذلك، من دون أن يكلف نفسه أن يعرف أو يسأل الجيل الآخر عن برامجه وأهدافه ونوعية الأدوات التي يفضلها؟
باختصار محزن، الدولة القديمة ليست مشكلة لأنها أفرزت بعض الفاسدين غير الصالحين للاستمرار، الدولة القديمة غير صالحة في حد ذاتها بشرفائها أيضا ومؤسساتها وطريقتها في التفكير والإنجاز، فليس من المنطقي أن نتجاهل العصر بمفاهيمه وأدواته وأبنائه، ونستمر في العمل بنفس أساليب الماضي، ثم نأتي ونُحدّث الأولاد عن المستقبل!
عن أي مستقبل يتحدث النظام؟
مستقبل نقف فيه حدادا على ضحايا روسيا؟
أم نقف فيه حدادا على ضحية التغريبة التي دهسه مواطن من الدرجة الأولى في بلاد الرز؟

(5)
المسافة كبيرة بين الدولة الشائخة وطلائع الأجيال الفتية المتطلعة، والفجوة مخيفة، وإذا لم ننتبه لها "الدولة دي هتضيع مننا".. لن تضيع بسبب "زعل" الأجنبي المستثمر الباحث عن ربح لا أكثر، لكنها ستضيع لأنها لم تحترم أولادها.

(6)
قد لا نقدر في هذه "الظروف الصعبة" على بناء حضارة، نو بروبلم.. التفكير العصري بيقول: إذا لم يكن بإمكانك تأسيس حضارة، فلتسرع باختيار "استايل"، وإحنا مش شايفينلك استايل يا دولة العواجيز.

(7)
#موتي_يا_دولة_العواجيز

...................................................

ألقاكم غداً في عالم الكارتون

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية