x

أحمد ناجي ضرورة الشعر في مزبلة الوعى الجمعي أحمد ناجي الثلاثاء 24-11-2015 14:46


ضرورة الشعر في مزبلة الوعى الجمعي

1

انظر إلى الحملة على السبكى مثلاً. أنه مصلوب في أحلام وخيالات قطاعات عريضة من الجمهور كصانع للمتعة ومرتكب للخطيئة في ذات الوقت.

عموماً البعض يستمتع بالفن، والبعض لا يستمتع. لكن الجميع يشترك في تلك الرغبة الحارقة في توجيه الفن والفنانين وتحديد ما يجب أن يكون عليه. في السنوات الأخيرة تحديداً فالضغط على ما يجب أن يكون عليه شكل الفن في مصر أثمر صفر للسينما المصرية في مهرجان القاهرة الأخير وفي معظم المهرجانات العالمية، ورقابة يقودها هاني شاكر ومعهم السادة أمناء ونقباء الشرطة في النقابات الفنية، على كل من يتم ضبطه متلبساً بارتكاب الفن. كحملة مخططة لتجفيف منابع الفن، وحصار منتجيه.

2

يقولون للفنان أنت تسئ لسمعة مصر، كاره لمجتمعك وناسك لا تري ولا تظهر إلا القبيح. وإذا قدم منتجاً تربوياً يتثاءب الموزع في المشاهدة ويعرض عليه بيعه للتلفزيون المصري أو الشؤون المعنوية لتخزينه وسط غيره في المهملات.

يقولون للفنان عليك أن تري الجمال، أن تشعر جمهورك بالجمال والحب والقيم الإنسانية النبيلة. يطالبون الفنان أن يفقأ عينيه، ويثقب طبلة أذنيه، ويتحول لإنسان ينفث الجمال متوهمين أن ذلك وحده كفيل بخلق عالم جميل. مثلما يتوهمون لعقود طويلة أن ترديد الأغاني والأناشيد الوطنية ووصف كتابها بالشعراء الكبار وشعراء الضمير والقولون كفيل بجعل مزبلتهم بلداً، ودولة عظمى. يقودها كما أفسد ذوقنا شعراء القصائد الغنائية، قبطان/ فارس/ ريس/ مجدع. على اعتبار أن اصباغ الصفات الشعرية خلال عقود طويلة من زمن الجمهورية كفيل بنزع القوادة وإكسابه الجدعنة والفروسية.

3

يريدون للفن أن يكون متوقعاً. نسخة مما عرفوها قبل ذلك. محاكاة لما اتفقوا عليه فن راقي، وفن قومى، وفن يحمل اسم مصر. وهو الأمر المستحيل ببساطة لأن جوهر الرغبة في الابداع تنبع من مخالفة ما هو سائد، وهى مخالفة منبعها أن أصل الحياة حركة. والفن هو انعكاس للذات الفردية للمبدع وما ينطبع فيها من عالمنا. والاثنان العالم والفنان متغيران. والفن الممسوخ الذي تفرضه الآن السلطة برؤوسها الثلاثة في مصر (المال، الدولة، المؤسسة الدينية) هو انعكاس لأزمة رؤوس هذا السلطة، التي تحاول تجميد اللحظة طمعاً في خلود طمأنينة خادعة تعيش فيها متجاهلة حقيقة أن المزبلة قبل أن تكون واقع معاش هي في قلب وعيهم.

4

لنخاطب بعض ما تعرفه، حتى نصنع أحجية. مثل هذه الأحاجي تشكل الطعم الذي يتم اصطياد القارئ به.

بعض القراء قد يعرفون ما يعنيه الحرفين «أ.ص». نعم صديقتى، أنه أدهم صبري رجل من طراز خاص. يحمل لقب شعبي «رجل المستحيل» بمقداره التنكر في عدد من الشخصيات المختلفة، لكنه يصر دائماً أن تحمل شخصيته الحروف الأول من اسمه «ا.ص». إذا اختار اسماً لاتينياً سيكون «أميجوصاندو». إذا اختار اسم شاعر سيكون أدهم الصفتي.

الشعر يختفي تحت ثقل الأداء المسرحي والدرامي، حيث أصبح هناك شعراء مخصصون للشاشات يتلون ويغيرون النبرات ويفتعلون المحن بلا سبب مفهوم. إلى جانب شعراء الفيسبوك والسوشيال ميديا، آلهة «اللايكات». حيث القصيدة تبنى على المفارقة والأفية. و«الاورجازم» لدى الشاعر يتزايد مع كل «لايك» حتى ينفجر لحظة أن يري صورته «كافر فوتو» بصحبة قصيدة يخبرنا فيها كيف ذهب للجلوس على قهوة فجلس على الشاي الذي كانت تشربه الحبيبة.

لكن أدهم الصفتي ينتمى لفصيلة آخري، فصيلة على وشك الانقراض. على ساعده يحمل وشم بالانجليزية «Apocalypse» وترجمتها بالعربية لا تفرق كثيراً «أبوكالبيس». افهمها أنت كيوم القيامة، أو النهاية الكارثية. وفي ديوانه الشعري الذي صدر مؤخراً عن دار نشر «ابن رشد» خصص لوشم ذراعه أكثر من قصيدة لا تحذيراً من نهاية كارثية قديمة على طريقة الشاعر المتنبئ. بل ليفتح العيون المغلقة بمشرط.

5

شاعر نهاية العالم حامل أحرف رجل المستحيل، يخصص صفحة وقصيدة واحدة في ديوانه «مزبلة الوعى الجمعي« ليحدثنا عن الوفاق الوطني كاتباً:

«استعدنا عادة الضرب على الأقفية، وبنينا حضارتنا ثانية، كل احمرار يحمل ملهاة، وكل ابتسامة تحمل حجراً من سد، تشققت الأيدي وهى تحمل الصبار. وصارت الصحاري بلا شوك.

السفلة لم يستمعوا إلى! عادة ضرب الأقفية تقترن ببناء الحضارات. ودون كذب، ليس بالابتسام وحده يكون الوفاق الوطنى.«

6

شعر لا يبتذل نفسه من أجل تقديم محاكاة لجمال لم يعد موجوداً في عالمنا. في زمن أصبحت الرغبة ومجازات وصور السعادة هي المبتغي الذي يتم تسويقه لا الجمال ولا الطبيعة الرومانسية النائمة. ربما لأن الشاعر مثلنا جميعاً لم يعش طفولة سعيدة ولم يري الجمال الذي تتحدث عنه القصائد أو كما يكتب أدهم عن طفولته:

«لم أجر كأهبل نحو بائع حلوى، ولا ضحكت جداً لنكتة بذيئة

أبليت بلاء حسناً، فأنا الآن لا أحمل كل هذا الجمال على ظهري«

شعر لا ينافق أملاً في نشر قيم وصفت لقرون بالنبالة من قبل منافقين كتبوا الشعر كمزايدة أخلاقية. فقط أدهم الصفتي هو من يمدح صفة كالكذب وجماله كاتباً:

«الكذب هو أحمر الشفاه في وجه البنت. فستانها الذي يخفي عيوب جسدها، الكحل في عينيها الضيقين، هو الصورة المعلقة على حائط تقشر طلاءه. استقامة ظهرك حين تري رئيسك في العمل. نظرة الثقة في عينيك أمام ضابط الشرطة وهو يري بطاقتك، هو اللعبة الرخيصة الملونة في يد طفل، هو مباراة رديئة تتخللها مشاجرة يعلو بسببها صوت معلق التلفزيون

الكذب إشارة مرور خضراء تجعل الحياة تمر.«

7

وماذا إذن عن الحب أو الرغبة التي قد تتخفي في ثوب الحب يا أدهم..

«ربما يحضر منشاراً كهربائياً يصلح لشق طريق في جدار غرفته –التي أساساً تحتاج إلى رتق- يمر منه إلى غرفة جارته السمينة، التي يغنى لها كل صباح:

أنا ضائع دونك يا حلوة، مثل كلب لا يجد عظمته«

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية