x

صلاح منتصر فاروق ظالماً ومظلوماً (16) صلاح منتصر الإثنين 23-11-2015 21:35


كان يملك ويحكم وينظر كل موضوع وكل ترقية وكل موظف كبير

كان فؤاد ملكا قويا، ورغم أنه أول حاكم لمصر يحكمه دستور أقره الشعب إلا أن الواقع يؤكد أنه مهما كانت القواعد والقيود المكتوبة فإن التنفيذ بصورة، وإن خالفت وتجاوزت القواعد المكتوبة وقبلها الآخرون، تصبح عرفاً أعلى من الدستور. وهذا ما حرص فؤاد عليه، تجاهل الدستور إذا كان يضع قيدا على ممارساته. وعندما تولى فاروق وهو لايزال صغيرا على أعتاب الثامنة عشرة كان التصور أن الفرصة أصبحت مناسبة لإعادة تكييف الملك الصغير بما يلزمه عدم الاعتداء على الدستور، وأن يملك ولا يحكم كما يقول دستور الملكية. إلا أن الذين أحاطوا بفاروق ساعدوه بكل أسف على أن تتجاوز اختصاصاته التى منحها إما بنفسه أو بمعونة الآخرين كل مواد الدستور، حتى أصبح لفاروق دستور آخر باركته الحكومات المختلفة وجعلته أمرا ملكيا يعلو على دستور الشعب.

فى عام 1942 عين فاروق كريم ثابت مستشارا صحفيا، وهى وظيفة لم تكن موجودة من قبل، وربما كان أهم أسبابها الخفية حادث 4 فبراير وتعتيم الرقابة التى فرضتها الحكومة فى ذلك الوقت على كل ما يتصل بهذا الحادث، على عكس ما كان فاروق يتمنى لثقته أن الملايين كانت فى إطار محبتها له- فى ذلك الوقت- لابد أن تنحاز إليه ولا تقبل أن يهدده السفير البريطانى بخلعه أو تكليف النحاس برئاسة الوزارة. ومن ثم بحث عن شخصية مدربة تقف معه وتساعده على أن يقوم بدور مستقل عن الحكومة، سواء حكومة الوفد أو أى حكومة أخرى.

وكان كريم ثابت، وقد جاءت أسرته من الشام، صحفيا محترفا عمل فى صحيفة «الأهرام»، وترأس تحرير جريدة «المقطم» التى كانت على علاقة وثيقة بالإنجليز، وبعد ذلك شارك محمد التابعى ومحمود أبوالفتح إنشاء صحيفة «المصرى» عام 1936، ولكن التابعى الذى يصرف أكثر مما يكسب باع حصته فى الجريدة لأبوالفتح ليتفرغ لمجلة «آخر ساعة» التى أنشأها، وبعد ذلك عندما اختار فاروق كريم ثابت مستشارا صحفيا له باع هو الآخر حصته، وأصبح محمود أبوالفتح وحده مالكا لصحيفة «المصرى»، التى اشتهرت وأصبحت تنافس «الأهرام» بعد أن أصبحت تمثل حزب الوفد. وهكذا فإن كريم ثابت عندما كتب بعد ثورة يوليو عن «فاروق» فى كتابين «فاروق كما عرفته» و«عشر سنوات مع فاروق» إصدار دار الشروق، فقد كان واضحا فيما كتب عين الصحفى المحترف وقدرته على التحليل والتدقيق.

«لقد اكتشفت عند تعيينى مستشارا صحفيا- هكذا يقول كريم ثابت- أن الحكومة لا تعمل عملا واحدا قبل أن تخاطب القصر فى موضوعه وتستطلع رأى الملك فى شأنه. وليس فى ذلك مبالغة، فلو أردت أن أحصى أو أحصر الموضوعات والشؤون والأعمال التى كانت الحكومة ترجع فيها إلى القصر قبل التنفيذ لما استطعت لكثرة عددها».

فجدول أعمال جلسات مجلس الوزراء كان يُرسل قبل عقد اجتماع كل مجلس إلى الملك، الذى يبدى فى شأنه ما يشاء من حذف موضوع أو تأجيله. وجميع الترشيحات للمناصب الحكومية من درجة مدير عام فما يعلوها تُعرض على القصر، إما شفويا أو كتابة، ليقول الملك كلمته فيها. وكثيرا ما كان الملك يعارض فى بعض الأسماء أو يراجع الحكومة فيها أو يطلب بيانات إضافية عن أصحابها، حتى وصل الأمر تسهيلا للعمل إلى قيام الحكومة بعرض مرشحين أو أسماء ثلاثة مرشحين لمنصب واحد تاركة للملك أن يختار أحدهم.

ولم يكن وزير الخارجية يمنح سفيرا أو وزيرا مفوضا إجازة عادية أو استثنائية إلا بعد عرض الأمر على القصر، كما لم تكن مشروعات حركات ترقيات وتعيينات وتنقلات ضباط البوليس ورجال القضاء والنيابة ورجال الرى والصحة وغير ذلك تُعتمد إلا بعد عرضها على القصر ونيل موافقته عليها. وبالطبع كان يحدث ذلك على جميع مشروعات وحركات الترقيات والتعيينات فى الجيش وفى السلاحين الجوى والبحرى، وكذلك على مشروعات حركات وزارة الخارجية.

وإلى جانب ذلك كانت هناك أمور لا تُعد يستأذنون الملك فيها مثل مواعيد «موكب المحمل»، الذى كان يحمل كسوة الكعبة المشرفة، وكان يتم تصنيعها فى مصر، ويجرى الاحتفال بها فى احتفال تخرج فيه محمولة على جمل فى موكب يطوف الشوارع والميادين الكبيرة قبل سفرها إلى السعودية عن طريق السويس.

وكان لابد من استئذان الملك فى مواعيد تغيير ملابس رجال الجيش والبوليس صيفا وشتاء، وفى مواعيد سفر السفراء والوزراء المفوضين إلى مقار أعمالهم، وفى منح تأشيرة سفر لكل فرد من أفراد أسرة محمد على يود السفر إلى الخارج، وفى مواعيد إجازات الوزراء وأسماء زملائهم الذين يُندبون مكانهم.

كذلك كان رئيس الوزراء لا يلقى خطاب العرش الذى يضمنه برنامج حكومته فى افتتاح كل دورة برلمانية إلا بعد اعتماده من الملك، كما كانوا يرفعون إليه مقدما صورة من جميع الكلمات التى كانت تُلقى فى الاحتفالات التى كان يحضرها، أو التى كان رؤساء الوزارات يذيعونها بمناسبة أعياده.

وهكذا لم يكن فاروق كما يبدو للبعض ملكا مثل «ملك الكوتشينة»، وإنما كان ملكا وحاكما وكل شىء رغم سنه الصغيرة التى بدأ بها الحكم وتزايدت مع السنين.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية