x

يحيى الجمل نعم حزين على الإسلام.. وحزين على باريس! يحيى الجمل الأحد 22-11-2015 21:11


تقديرى أنه لم يظلم أهل دين من الأديان دينهم كما ظلم بعض من يدعون الإسلام – والإسلام منهم برىء – هذا الدين السمح الحنيف الذى ما جاء نبيه عليه السلام إلاّ رحمة للعالمين.

يقول سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين» ويقول فى محكم تنزيله «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما».

الدين الذى جعل تحية المؤمنين – لغيرهم – سواء من دينهم أو من أديان أخرى – هى عبارة «السلام عليكم ورحمة الله».

وهل بعد السلام والرحمة شىء يبتغيه الإنسان الطبيعى فى هذه الدنيا.

بعض من يتصورون أنهم مسلمون جعلوا مهمتهم أن يعيثوا فى الأرض فساداً وقتلاً لكى يروّعوا خلق الله أجمعين مسلمين وغير مسلمين.

وتقديرى أن الأصل فى هذه الجهالة يعود إلى أمرين متداخلين. أما الأمر الأول فهو عدم إعمال العقل ورفض اعتبار أن العقل هو الذى يهدى الناس إلى سواء السبيل.

ضلّت الناس لا إمام سوى العقل هادياً فى صبحه والمساء.

الإسلام دين يؤمن بالعلم ويؤمن بالعقل ويدعو إلى المعرفة «اقرأ وربك الأكرم الذى علّم بالقلم.علّم الإنسان ما لم يعلم».

هذا الأمر الأول.

أما الأمر الثانى فهو للأسف المّر خلط الدين بالسياسة. وقد وقعنا فى هذا الخطأ منذ انتشرت الحركات الدينية التى أرادت أن تجذب الجماهير إليها بدعوى أنها تريد نشر الإسلام ودعمه. والحقيقة أن المجتمع الإنسانى سواء فى مصر أو فى غيرها مّر بمراحل مختلفة فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والمجتمع وفيما يتعلق بالخلط بين الدين والسياسة.

وإذا كان جوهر الدين ضروريا للمجتمعات الإنسانية فإن ذلك البعد الأخلاقى للدين شىء وخلط الدين بالسياسة شىء آخر.

الدين أمر يتعلق بالمطلق. يتعلق بعلاقة الإنسان بربه. ذلك على حين أن السياسة تتغير من زمن إلى زمن ومن مجتمع إلى مجتمع، وفقاً لتطور المجتمعات الإنسانية.

عاشت أوروبا قبل النهضة والتنوير ترزح تحت معتقدات كنسية دينية. وكانت الكنيسة هى أكبر مالك للأرض، وكانت توزع صكوك الغفران أو بالأصح تبيع صكوك الغفران لمن يريد أن يدخل الجنة بغير حساب.

وإذا جاز أن الدين المسيحى العظيم فيه نوع من الرهبنة فإن الإسلام لا يعرف الرهبنة ولا يعرف واسطة فى العلاقة بين العبد وربه.

والحقيقة أننى أحمد للأزهر ولدار الإفتاء فى مصر توجهاتهما الأخيرة نحو محاربة التطرف ومحاربة الخرافات التى يريد البعض أن يدخلها على الدين والدين – مطلق الدين – منها برىء.

والإسلام فى رحابته وسماحته يعتدّ بكل الأديان الإبراهيميّة السابقة عليه ولا يفرق بين أحد من رسله.

هذا هو الإسلام الذى ظلمه بعض أبنائه وبلغت إساءتهم إلى الإسلام ذروتها بعدوانهم الأخير على باريس «مدينة النور».

وقد قرأت عنواناً لمقال فى إحدى الجرائد العربية يتساءل «هل يجوز أن نحزن على باريس؟».

نعم يجوز بل يجب أن نحزن على باريس وما أصاب باريس.

قال فضيلة الشيخ مصطفى عبدالرازق وهو من أكبر علماء الأزهر ومن أكثرهم استنارة «باريس عاصمة الدنيا ومن باب المبالغة». لو كان للآخرة عاصمة لكانت باريس، وأنا أنضم إلى أستاذنا الكبير رحمه الله فيما قال.

وقد قضيت فى مدينة النور فترتين من حياتى. الفترة الأولى كانت فترة الإعداد والتكوين وكان عشقنا الأساسى هو مبنى كلية الحقوق القديم فى البنانتيون وبجوارها شارع كيجاس حيث مكتبة الكلية وحيث المعرفة القانونية تروى الظامئين. ومهما نهل الإنسان من العلم فإنه لن يبلغ مرحلة الارتواء الكامل. وكذلك كان.

أما المرحلة الثانية فقد كنت فيها أكثر نضجاً وأكثر تحملاً للمسؤولية. وأعتقد أننى فى هذه الفترة حاولت أن أرد بعض الفضل لمصر الحبيبة ولأبنائها الذين كانوا يدرسون. وقبل عملى مستشاراً ثقافياً فى باريس كانت البعثات المصرية مازالت تقتصر على الحقوق والآداب، ولكن بعد ذلك تنوع المبعوثون حتى كان منهم من يدرسون الطب ومن يدرسون الهندسة وغير ذلك من أنواع المعارف. وكنت بالنسبة للغالبية من المبعوثين أتصرف كما يتصرف الأب وكنت أحاول أن أعقد علاقات مع أساتذتهم بل دعوت بعض كبار الأساتذة لزيارة مصر توثيقاً للعلاقات الثقافية بين البلدين.

حقاً أن باريس مدينة النور.

ولم تكن باريس تستاهل أبداً أن يحدث لها ما حدث من ترويع وقتل ينسب إلى بعض المسلمين – قاتلهم الله ولا غفر لهم – حزنى على شهداء باريس لا يقل عن حزنى على شهداء سيناء ولا عن شهداء بيروت ذلك أن الإنسان أخ للإنسان فى كل مكان.

حفظ الله الإنسانية كلها من شرور بعض بنى الإنسان.

وحفظ الله مصر.

والله المستعان.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية