x

أحمد الشهاوي نُوَّاب الله أحمد الشهاوي السبت 21-11-2015 21:46


دائما هناك فاعل، ونائب له يسد مَسَدَّ الفاعل، وذلك فى لغتنا العربية، أو فى الحياة الدنيا، بعد تجاهله أو حذفه أو تغييبه أو ركنِهِ، أو جلوسه «على الرفِّ» شكلا، أو الاستغناء عنه، أو قتله، أو تقبيله ووضعه جنب الحائط، ينوب عن الفاعل فى العمل، بل بعد فترةٍ يأخذ عمله كاملا، ويصير متحدِّثًا باسمه، بل يحتلُّ موقعه، يأمر وينطر، ويمنع ويمنح، ويشخط ويقتل ويذبح باسمه.

ونائب الفاعل – كما تقول لغتنا العربية – هو «اسمٌ مرفوعٌ يقع بعد فعلٍ غير معروف – مجهول – فاعله، أو يقع بعد شبه فعل...».

والفاعل يُحذَفُ – عادةً – إذا كانت ليست له قيمةٌ من وراء ذِكْرِه، أو جهل المتحدِّث والمُخاطب به، أو الخوف عليه من ذِكْرِهِ، أو الخوف منه.

ونائب الفاعل – عادةً – ما يكون مستترًا مخفيًّا، أو ظاهرًا معروفًا، أو ضميرًا متصلا (لا ضميرَ له فى الواقع)، أو منفصلا (وهو لا ينفصل أبدًا إذا ما تمكَّن من أمرٍ واستولى عليه).

ونائب الفاعل هذا، هو فى محل رفعٍ، ويحل محل الفاعل، الذى يُحذف، ويتم التخلُّص منه لأسبابٍ كثيرةٍ، إذْ صار محذوفًا ولا عمل له، ويأخذ حكمه فى العمل (الرفع).

ويعود مصطلح نائب الفاعل إلى القرن السَّابع الهجرى، إذْ سمَّاه بذلك ابن مالك فى ألفيته الشهيرة، وقد استقر النُّحاة على تلك التسمية، ونائب الفاعل هذا، صار يأخذ أحكام الفاعل بعد حذفه والاستغناء عنه، لدرجة أن الزمخشرى والجرجانى يريان أن نائب الفاعل هو فاعل اصطلاحًا، ولا وجود لنائب الفاعل عندهما.

والفاعل يُحذفُ لأغراضٍ كثيرةٍ أبرزها: الجهل به، الخوف منه، أو الخوف عليه، أو لقصد إبهامه، أو تحقيره، وأخيرًا إذا كان ذكره لا يفيد شيئا.

وأفهم أن يكون هناك نائب لرئيس البلاد، أو نائب لرئيس الوزراء، أو نائب للوزير، أو نائب عام يحمى حقوق الناس، أو نائب لحزب سياسى، أو نائب لرئيس مجلس إدارة أية مؤسسة أو هيئة، أو نائب عن الشعب فى البرلمان، وهكذا...، لكننى لا أفهم أن يكون هناك نائب لله، أو نُوَّاب لله، إذْ صار له نوَّابٌ فى مناطق كثيرةٍ من العالم الإسلامى.

ولا أفهم أن يكون هناك حزبٌ لله، أو باسمه، كأنَّ بقيَّة الأحزاب الأخرى هى أحزاب للجنِّ والشياطين.

ونُوَّاب الله المنتشرون أينما وليَّتّ وجهك فى الأراضى العربية والإسلامية، تجرَّأوا على الله ورسوله، على كتابه وسُنَّتِهِ، وتجرَّدوا من أى مشاعر إنسانية يحملها المسلم أو الإنسان بشكلٍ عام أيًّا كان دينه، إذ صار الدين والحكم باسم الله فى أيديهم، يقبلون التوبة أو يرفضونها، يعفون عن المذنبين من «الكُفَّار»، ويفرضون العقاب الذى يرونه مناسبًا وملائمًا لـ«الجُرم»، كقطع الرأس أو الإعدام أو الصعق كهربيًّا، أو التغريق فى الماء، أو الإحراق، أو السَّبى والاغتصاب بالنسبة للنساء، أو أية أخرى للعقاب يبتكرونها أو ينسخونها من تراث العرب فى التعذيب والقتل.

ولا أحد ينسى ما قاله مساعد أبوبكر البغدادى أمام تجمُّع عشائرى لتجديد «بيعة الخليفة» فى الموصل بالعراق «فى أول يومٍ من الفتح فتحنا باب التوْبات، وقبلنا الناس، كما قال أميرنا، مع أنّنا قدرنا عليهم، وقبل القدرة، كان باب التوبة مفتوحًا، ولكن بعد القدرة أصبحت مِنَّة من أمير المؤمنين».

هنا أعلى تجلٍّ لنيابة الله، بفُجْرٍ فاضحٍ، وجهلٍ لن أقول إننا لم نعرف سوابقَ له فى تراثنا، لأن التاريخ الإسلامى شهد نوَّابًا كثيرين لله، مارسوا من الجرائم ما يجل عن الوصف.

..............

ونائب الله هذا، أو خليفته، أو من أطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين، صار ينافس الله ويزاحمه، وليس فقط يتكلم باسمه ويعمل عمله، وربَّما لولا الخجل – حيث لا خجل – لنصَّب نفسه إلهًا، وليس فقط ادَّعى النبوة، بل تمادى فى غِيِّه، وأنزِل كتابًا مُقدَّسًا باسمه، وألْغى القرآن باعتباره صار قديمًا، لكن نُوَّاب الله هؤلاء مازالوا يُحرِّفون آيات الله سبحانه وتعالى، ويُؤوِّلونها طبقًا لأهوائهم، وتبعًا لنزعاتهم وشهواتهم فى نيل المطامع (الحكم، المال، النساء، ويمكن ترتيبها حسبما ترى أنت).

ومُزاحمة المخلوق (السلفى، الوهابى، الإخوانى، الداعشى، الطَّالبانى، وبقية التسميات والتصنيفات والجماعات) للخالق

«الله»، صارت من مظاهر العصر، بل باتت تُشكِّل تهديدًا ليس فقط على الناس أينما كانوا، ولكن على الدين نفسه، ذلك الدين البرىء من أفاعيل هؤلاء الخلق، بحيث صرنا مشغُولين بدفع الأذى والتُّهم عن الدين، أكثر مما نحن مشغولون باقتلاع جذور هؤلاء المشعوذين وتجَّار الدين المتشدِّدين من المشهد.

وإنْ كنَّا نعرف أن أبا بكر الصديق الخليفة الراشدى الأول قد ناب عن النبى محمد فى الحج والصلاة، ثم فى أداء الزكاة بعد وفاته، لكننا لم نعرف أنه طمع مرَّةً فى النبوَّة، وادَّعى – مثلا – أن وحيًا نزل عليه، وأنه صار نبيا مُرسلا ومبعُوثًا لأمَّته.

وهؤلاء بدلا عن أن يجلسُوا بين يدى الله، ويَخرِّوا راكعين وساجدين، اختاروا أن يجلسوا مكانه ويتحكَّموا فى عباده، ولا ينصحوهم أو يعظوهم، وهم عندى شياطين يلبسون ثوب الله، إذْ سبحانه وتعالى ليس له مندوبون ولا نوَّاب فى الأرض.

والذين سيظلهم الله معروفُون، وهؤلاء لا تنطبق شروط الحديث عليهم، أى هم خارجون تماما، لكنهم يُدْخِلون أنفسهم عنوة ويفرِضُونها بإعمال القتل، وتسييد الخوف، وترهيب الناس:

(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).

والتاريخ ينقل لنا قصصًا ومواقف كثيرة جرَتْ، تُبيِّن أن المنافقين من الرعيَّة، هم من يُتلِفون السلطان أو الخليفة، أو الملك، أو أمير المؤمنين بتزلُّفهم الرخيص، الذى يرى نفسه إلهًا، وليس فقط ظل الله على الأرض، وما أكثر وعاظ وشيوخ السلاطين.

فقد مدح شاعرٌ الخليفة هارون الرشيد (ولد فى سنة 766م بمدينة الرى - وتوفى سنة 806م فى مدينة طوس (مشهد اليوم)، قائلا: (كأنكَ من بَعدِ الرسول رسولُ)، ومدح ابن هانئ الخليفة المعز لدين الله الفاطمى (319 هجرية - - 16 من ربيع الثانى 365 هجرية - 23 من ديسمبر 975م) بقوله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار

فكأنما أنت النبى محمد.. وكأنما أنصارك الأنصار.

وشاعر ثالث مدح الخليفة المتوكل على الله بقوله أنت (ظل الله الممدود بينه وبين خلْقِه).

أما الخليفة العباسى المنصور فقد قال فى خطبته يوم عرفة:

«أيها النـاس، إنما أنا سلطان الله فى أرضه، أسوسُكم بتوفيقه وتسـديده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه، فقـد جعلنى اللـه عليه قفلا، إذا شـاء أن يفتحنى فتحنى لإعطائكم، وإذا شـاء أن يقفلنى عليـه قفلنى».

ونواب الله، أو ظلاله فى الأرض، أو مندوبوه، أو مبعوثوه، يدَّعُون أنهم مُقدَّسون وفوق البشر، يحتكرون الدين، ويتحدثون باسم الله، ويرون أن أى خروجٍ عليهم أو جدالهم – حتى لو كان بالحُسنى – كفرٌ وزندقة، ولا يجُوز من الأصل.

وربما فى قادم الأيام نرى من يطلب من رعيته أن تسجد إليه موحِّدةً وعابدة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية