فى استاد ويمبلى، أمس الأول.. وقبل أن تبدأ المباراة الكروية الودية بين إنجلترا وفرنسا.. فوجئ الجميع بخمسة وسبعين ألف متفرج فى الاستاد، معظمهم من الإنجليز، يرددون بصوت واحد النشيد الوطنى الفرنسى تضامناً مع فرنسا، واحتراماً لمن ماتوا فى التفجيرات الأخيرة التى شهدتها باريس.. وكان هذا الغناء بكل ما له من دلالات ومعان هو الذى بقى فى الذاكرة الجماعية والإعلامية، وليست المباراة نفسها وتفاصيلها وأحداثها الفنية والهدفين اللذين فازت بهما إنجلترا على فرنسا.. وسيبقى فى الذاكرة أيضا صرخات استهجان جماهير تركية رفضت دقيقة الحداد على ضحايا الإرهاب فى باريس، التى سبقت مباراة المنتخبين التركى واليونانى، بدعوى أن الذين ماتوا ليسوا من المسلمين ولا يستحقون أى حزن أو حداد.. وكان مشهداً مزعجاً أثار الاستياء والغضب، لدرجة أن فاتح تيريم، المدير الفنى للمنتخب التركى نفسه، قال فور انتهاء المباراة إنه لا يقبل بما جرى ولا يصدقه أيضاً.. وأعرف أن البعض هنا فى مصر سيؤيدون تماما ما قامت به الجماهير التركية فى اسطنبول اقتناعاً بأنه لا داعى أو ضرورة لأى حزن أو احترام لمن يموت من غير المسلمين.. ولا أظن أن الإسلام يدعونا لذلك، فللموت جلاله واحترامه مهما كانت ديانة الذى مات أو جنسيته ولونه ومكانته.. ونحن فى مصر أصبحنا لا نحترم الموت إلا وفق شروطنا الخاصة،ورؤانا وحساباتنا السياسية والحياتية.. فهناك من لا يعنيهم موت ضابط شرطة أو جيش، وهناك من يسعدهم أن يموت أى إخوانى أو ناشط معارض.. والمشكلة حتى بعيداً عن الإسلام وقواعده ورحمته وسماحته ستبقى أن غير المسلمين مثل الإنجليز فى لندن قرروا حفظ كلمات النشيد الوطنى الفرنسى لغنائها قبل بدء مباراة كرة احتراماً للموت وضحايا الإرهاب.. بينما رفض بعض المسلمين فى إسطنبول حتى دقيقة الحداد، لأن الذين ماتوا ليسوا مسلمين.. وكأن هناك إصرارا غريبا من المسلمين على أن يقوموا بأنفسهم بتشويه صورتهم وصورة دينهم وحقيقته.. ثم إن الذين أسعدتهم تفجيرات باريس التى كان سببها إرهاباً مغطى بعباءة تطرف إسلامى ينسون أن هذا الإرهاب ليس ضحاياه فقط من غير المسلمين.. بل إن المسلمين الذين قتلهم داعش أكثر كثيرا من ضحاياه غير المسلمين.. وخسارتنا ليست فقط فى موتانا إنما هى فى مشاعرنا التى تحجرت والخسائر التى ستلاحقنا بكافة أشكالها، وصورتنا فى عيون الآخرين حولنا.. فجماهير أوروبا باتت الآن تكرهنا كلنا بعد تشديد إجراءات الأمن فى أى ملعب كرة هناك، خوفاً من التهديدات والقنابل الإسلامية.. كما تم إلغاء مباراتى ألمانيا وهولندا ثم بلجيكا وإسبانيا.. وإذا كان هناك من سيقول إن هذا الرفض من حقنا طالما أنهم هناك لا يحزنون على من يموت منا.. فعليه ألا ينسى أننا غالبا لا نحزن أيضا، وحين مات السائحون الروس فوق رمل سيناء كنا بعد قليل نرقص وندعو للغناء والاحتفال فى شرم الشيخ، ولانزال نواصل الدعوة للاحتفال كأننا لا نكترث بمن مات فى بلادنا أو نحترم ذلك حتى لو كذباً من احترامنا لأنفسنا وإنسانيتنا أيضا.