x

صلاح منتصر فاروق ظالماً ومظلوماً (15) لم يعشق فى حياته سوى موائد القمار صلاح منتصر الإثنين 16-11-2015 21:05


كان القمار والحشيش وبيوت الدعارة المسموح بها من مظاهر الحياة فى مصر إلى قرب منتصف القرن العشرين. ولاشك أن الاحتلال الإنجليزى شجع كثيرا على نشرها لصرف المصريين عن المطالبة بتحرير بلادهم.

وقد ظلت بيوت الدعارة تعمل فى مصر بصورة رسمية تحصل فيها المشتغلات على ترخيص نظير رسم يؤدى بعد كشف طبى يجرى عليهن. إلى أن حدث أن قام عضو البرلمان عن باب الشعرية المرحوم سيد جلال، واصطحب وزير الشؤون الاجتماعية «جلال فهيم باشا» لزيارة دائرته التى تضم شارع «كلوت بيه» الذى كان يتفرع منه وقت الزيارة عام ١٩٤٨ أشهر مناطق الدعارة فى كل مصر، بحجة أنه يخطط لإقامة مشروع خيرى كبير. وقد استقل وزير الشؤون عربة حنطور ما إن وصلت به إلى منتصف الشارع حتى تكالبت عليه «نساء المهنة» اللاتى تسابقن بندائهن عليه «اتفضل يا باشا» باعتباره زبونا جديدا يبدو عليه الثراء. وقد طار طربوش الباشا الوزير من شدة التزاحم، واستطاع بصعوبة الخروج من المقلب الذى دبره له سيد جلال، ولكن بعد أن عاش على الطبيعة صورة كريهة جعلته يصر على استصدار مرسوم من حكومة إبراهيم عبدالهادى ألغى البغاء الرسمى فى مصر.

أما الحشيش فقد ظل تعاطيه إحدى العادات التى وجدت تشجيعا سواء من المهربين والتجار الذين يستهدفون الربح، أو الحكومات التى كانت ترى فى تغييب العقول فائدة تريحها من الجدل، أو المستهلكين الذين دخل فى روعهم أن الحشيش ليس حراما مثل الخمر، وأنه لا يؤذى كثيرا صحة متعاطيه، وله تأثيرات أخرى اتضح كذبها.

وفى ظروف كانت وسائل التسلية فيها محدودة إن لم تكن معدومة بالمقارنة بما هو موجود اليوم، فلا تليفزيون ولا إنترنت ولا كمبيوتر ولا علاقات تواصل أو مباريات كرة محلية وعالمية، وظلام ينتشر منذ الغروب، فقد كانت وسائل التسلية محدودة، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار الظروف التى كان عليها الريف المصرى المحروم من الكهرباء، وجعلت الفلاحين الزبون الرئيسى للحشيش. وفى المقابل كان الموظفون والأفندية من مختلف الفئات قد وجدوا أهم وسائل تسليتهم فى ممارسة القمار الذى لم يكن ممنوعا. وكانت مختلف الأندية والمقاهى تنتشر فيها بصورة واضحة موائد لعب القمار وبشكل مشروع. وحتى عام ١٩٥٥ (عندما ألغت ثورة يوليو القمار) كانت نقابة الصحفيين فى شارع ثروت (المقر القديم الذى تم تجديده فى نفس المكان وأصبح المقر الحالى) يشهد كل ليلة سهرات للعب القمار تمتد إلى السادسة من صباح اليوم التالى. كما كانت الأندية ومقاه كثيرة تسمح بلعب الورق والمراهنات بين اللاعبين، وقد شهدت فى مصيف رأس البر الصالة الكبرى لفندق «أصلان» وقد امتلأت بموائد لعب القمار، وكذلك فى نادى السيارات، ونادى الجزيرة.

ونتيجة لذلك مارس عدد كبير من المصريين القمار، لعل أشهرهم سعد باشا زغلول، زعيم الأمة، الذى رغم قوة شخصيته المعروفة إلا أنه كان يضعف أمام إغراء موائد القمار ويخرج فى نهاية السهرة حزينا باكيا على الأموال التى خسرها على المائدة الخضراء.

لا عجب بعد ذلك أن أغرت الأميرة شويكار زوجة فؤاد الأولى، والد فاروق، أغرت الملك الشاب فاروق بدعوات إلى قصرها، حيث الآن مقر رئاسة الوزراء بشارع قصر العينى، للعب «برتيتات صغيرة» مع عدد من الضيوف المنتقين.

ويحكى كريم ثابت، المستشار الصحفى لفاروق، والذى رافقه عشر سنوات (من ٤٢ إلى ٥٢)، أن امرأة حرّضت فاروق على التردد على نادى السيارات لتتباهى أمام صديقاتها بأنه يهواها، وكانت النتيجة بعد مدة قصيرة كما يصف كريم «أن هجر العشيقة وعشق القمار».

كانت مجموعة العُقد التى عاناها فاروق سواء بسبب كراهيته للوفد، أو لتصرفات أمه، أو عدم وجود ولى للعهد له من فريدة وإحساسه بأنه «عيل» فى قصر يعج بالكبار، ثم بعد ذلك موقف الهوان الذى وقفه أمام السفير البريطانى الذى خيره وهو فى سن 22 سنة بين التنازل عن العرش أو تكليف النحاس باشا بتأليف الوزارة، كل هذا الخليط من العقد والأسباب قد ترك تأثيره عليه وجعله سواء عن قصد أو غير قصد يؤدى دورا يحاول أن يبدو فيه أكبر من سنه، فيتصرف تصرفات الكبار الذين لا تهمهم حكومة أو ساسة، وإن ظل أسير السن التى تكبر يوما بعد يوم، ومن هنا راح فاروق يمارس دور الزعيم العربى الذى جمع قادة العرب لأول مرة فى أنشاص، ويأخذ أدوارا كبيرة مستقلة، ويمارس الحياة التى يحبها دون أن يضع أى قيود على تصرفاته تستوجبها وظيفة الملك، كى يثبت أنه ملك نفسه ومالك شعبه!

ودخل فى روع فاروق بعد أن ساءت علاقاته مع الملكة فريدة أنه محروم من أسباب السعادة التى لم يعد يجد سوى القمار لينسيه همومه. ويصف كريم ثابت أن فاروق قاطع بسبب القمار كل شىء حتى مجالسة النساء، وأن حياته تحولت إلى حياة «مقامر محترف» لا يرى فيها سوى موائد القمار ورفقاء القمار الذين كانوا يضيقون به. وأنه فى البداية كان يقامر ليلتين فى الأسبوع، ثم صار يقامر ثلاث ليال فخمسا فسبعا لدرجة أنه كان يذهب إلى نادى السيارات قبل حضور أى لاعب فى الخامسة مساء ويأمر بسرعة استدعاء اللاعبين لممارسة «البرتيتة» التى تستمر إلى الرابعة صباحا إذا كان كسبانا، وإلى السادسة فى حالة الخسارة مما جعل أفرادها يتهربون منه ويعتبرون السهر معه عقابا مفروضا. ولم تتغير عادة القمار عند فاروق بعد زواجه من ناريمان، فقد سرى القمار فى دمه حتى أصبح العرش كله «برتيتة قمار» راهن عليها، وكان طبيعيا أن يخسر فقد ندر أن كسب لاعبا فى القمار!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية