كشفت نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب عن تقدم ملحوظ لمرشحي الأحزاب المدنية الجديدة التي تأسست عقب ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 مقارنة بمرشحي الأحزاب القديمة والمستقلين، وذلك بالنسبة للمرشحين على دوائر المقاعد الفردية أو الدوائر المخصصة للقوائم.
وفي الحقيقة ذاع انتشار ظاهرة الأحزاب الجديدة New party في الكثير من النظم الحزبية في الديمقراطيات الراسخة والناشئة خلال العقدين الأخرين، سواء نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، أو نتيجة عوامل مؤسسية تتعلق بتغير طبيعة النظم الانتخابية، أو لعوامل فكرية تتعلق بالرغبة في منافسة الإيديولوجيات القديمة.
وقدر لمصر أن تعرف هذه الظاهرة عقب ثورة 25 يناير وبشكل أقل عقب ثورة 30 يونيو، نتيجة إلغاء القيود التي فُرضت عليها، وأخذت شكلين، إما أحزاب جديدة كليًا بتوجهات جديدة، وعلى سبيل المثال المصريين الأحرار ومستقبل وطن، أو نتيجة انشطار أو حل أحزاب قديمة وتوجه قيادتها لتأسيس أحزاب جديدة مثل الشعب الجمهوري والحركة الوطنية، ومصر بلدى والمؤتمر والحرية. ومما لاشك فيه أن تأسيس مثل هذه الأحزاب لم يكن نتيجة لتغيرات اجتماعية أو اقتصادية، بقدر ما كان رغبة في التمرد على الأفكار وهو ما يمكن تفسيره بتأسيس عدد كبير من الأحزاب الدينية الجديدة وأيضًا الليبرالية. إضافة إلى هذه الأسباب محاولة سد فراغ متروك من قبل الحزب المهيمن، وهو الحزب الوطني وريث التنظيمات الاشتراكية.
وعلى الرغم من الأزمات التي واجهتها الأحزاب الجديدة من صراعات وانقسامات وانشقاقات داخلية، فضلاً عن ضعف تواجدها التنظيمي في الأقاليم، إلا أنها تمكنت من تحقيق تقدم في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب. ففي جولة الإعادة تقدم مرشحي الأحزاب الجديدة وكان من أبرزهم حزب المصريين الأحرار، ومستقبل وطن، والشعب الجمهوري الذي مثل مفاجأة للنخبة السياسية والبحثية، فضلاً عن تقدم بشكل أقل لمرشحي أحزاب المؤتمر، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وحماة الوطن، والحركة الوطنية المصرية.
وجاءت نتيجة انتخابات المرحلة الأولى كاشفة عن انتصار الأحزاب المدنية الجديدة والتي بلغ إجمالي أعضائها 100 عضوًا على مستوى المقاعد الفردية والقوائم وهو ما يشكل نحو 36.5% من إجمالي الفائزين في المرحلة الأولى، ونسبة 17.5% من إجمالي أعضاء المجلس، ومن المحتمل أن تزداد هذه النسبة في انتخابات المرحلة الثانية وبالطبع داخل المجلس. وهنا يجب التنويه إلى أن الانتصار كان للأحزاب المدنية الجديدة في مقابل انحسار الأحزاب الدينية الجديدة، وهو ما برز بشكل واضح في تراجع نسبة الفائزين من حزب النور مقارنة بمرشحيه والخائضين لجولة الإعادة.
وتعددت عوامل انتصار الأحزاب المدنية الجديدة ومنها، أن النظام الحزبي شهد عجزًا بل كاد يكون انقراضًا للأحزاب القديمة، كما مثل تراجع الأحزاب الدينية الجديدة فرصًا لبروز الأحزاب المدنية الجديدة، حيث انحسرت شعبية الأولىبسبب الأداء المدتني لحكم الإخوان، كما أن حزب النور رغم تأييده لنظام ما بعد 30 يونيو، إلا أنه واجه «انتقادًا مزدوجًا»؛ فبينما تتهمه الأحزاب الدينية بخيانة التحالف الإسلامي، كما تتشكك الأحزاب المدنية في مواقفه المؤيدة للنظام.
إلى جانب هذا، تمكنت الأحزاب الجديدة المدنية من الدفع بأكبر عدد من المرشحين خلال المرحلة الأولى. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد مرشحي حزب المصريين الأحرار (113) مرشحًا ومستقبل وطن (89)، والشعب الجمهوري (42)، والمؤتمر (53)، والمصري الديمقراطي الاجتماعي (41). وبالنظر إلى عدد مرشحي الأحزاب القديمة، فنجد أنها لا تقارن بمرشحي الأحزاب الجديد. فعلى سبيل المثال بلغ عدد مرشحي حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (10) مرشحين، والحزب العربي الديمقراطي الناصري (4) مرشحين، وحزب الأحرار الاشتراكيين (4) مرشحين. وربما يفسر ذلك بعدم وجود أزمة تمويل لدى الأحزاب الجديدة، مقارنة بالأحزاب القديمة التي ينتمي غالبيتها لليسار. وأخيرًا تلاقت المصالح بين القوى التقليدية والأحزاب المدنية الجديدة، فلم تعتمد هذه الأحزاب على أعضائها بشكل كبير في الترشح للانتخابات بقدر ما اعتمدت على القوى التقليدية المتمثلة في بعض من النواب السابقين عن أعضاء الحزب الوطني أو أعضائه في المستويات التنظيمية الإقليمية والذين يتمتعوا بشعبية في دوائرهم، ويمتلكون خيوط الاتصال مع الناخبين.
«إن الأحزاب جديدة كانت أم قديمة هي تعبير عن مصالح فئات ويتوقف مستقلبها في مدى قدرتها على التعبير عنها»
*باحث متخصص في دراسات الأحزاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية