مع انتهاء الجولة الأولى من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، والإعلان الرسمى للنتائج من جانب اللجنة العليا للانتخابات، يمكن تحليل المؤشرات المختلفة لهذه الجولة قبل بدء التصويت فى الجولة الثانية، مما يمكن أن يعطى صورة ولو أولية عن الملامح العامة لهذه الانتخابات، لن تكتمل سوى بانتهاء آخر جولاتها فى المرحلة الثانية فى بداية شهر ديسمبر القادم.
أولاً: المرشحون للفردى والقوائم
بلغ عدد المرشحين للمقاعد الفردية البالغ عددها 226 مقعداً موزعة على 103 دوائر 2548 مرشحاً، مما يعنى أن معدل المنافسة على المقعد الواحد بلغ 11.3 مرشح تقريباً. بينما بلغ عدد المقاعد المخصصة للقوائم 60 مقعداً منها 45 لدائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد و15 لدائرة غرب الدلتا، وترشحت على مقاعد الدائرة الأولى 4 قوائم بينما ترشح على مقاعد الدائرة الثانية 3 قوائم فقط، بإجمالى مرشحين و225 مرشحاً للمقاعد الستين المتنافس عليها، أى بمعدل منافسة 3.75 مرشح على المقعد الواحد للقوائم.
ويبدو واضحاً أنه بالرغم من أن عدد المقاعد المخصصة للانتخابات الفردية قد زاد عن أربع مرات عن المقاعد المخصصة للقوائم، إلا أن معدل المنافسة على المقاعد الفردية زاد ثلاث مرات عن معدل المنافسة على مقاعد القوائم. ويمكن أن يكمن تفسير هذا التناقض بعاملين: الأول، عدم قدرة أى من الأحزاب والقوى السياسية منفرداً بتشكيل قوائم خاصة به نظراً لضعفها، وهو ما فتح الباب للعامل الثانى وهو اضطرار هذه القوى والأحزاب للدخول فى مفاوضات شاقة ومضطربة لتشكيل قوائم مشتركة، وهو الأمر الذى فشل فى عدد كبير من الحالات مما أفضى إلى قلة عدد القوائم المتنافسة. وقد أدى هذان العاملان، بالإضافة إلى كثرة عدد المقاعد الفردية بالمقارنة بما هو مخصص للقوائم، إلى زيادة معدل المنافسة على الأولى أكثر من الثانية.
ثانياً: نسبة التصويت
بلغ عدد الناخبين المدعوين للتصويت فى المرحلة الأولى للانتخابات 27.402.353 ناخب، حضر منهم 7.270.594 ناخب بنسبة 26.56%. وتعد هذه النسبة هى الثانية الأقل فى جميع الانتخابات والاستفتاءات التى جرت فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، فلم يقل عنا سوى انتخابات مجلس الشورى عام 2012 والتى بلغت نحو 13%. وقد أفاضت تعليقات كثيرة فى المقارنة بين هذه النسبة ونسبة التصويت فى آخر انتخابات لمجلس الشعب عام 2011 والتى بلغت حوالى 54%، وهو الأمر الذى يصعب اعتباره مسلماً به لأسباب عدة.
فبداية كانت انتخابات مجلس الشعب 2011 هى الاستحقاق الانتخابى الأول الذى يمارسه المصريون بعد سقوط نظام مبارك ومعه التدخل والتزوير المباشر فى انتخابات مجلس الشعب التى جرت فى ظله، فكان حماس المصريين وقتها مع التداعيات المحمومة للثورة المصرية غير مسبوق وربما غير متكرر بعدها. وثانياً تأتى الانتخابات البرلمانية الحالية لتمثل للمصريين الاستحقاق التصويتى الثامن ما بين انتخابات واستفتاءات جرت منذ مارس 2011 وكان لبعضها عدة مراحل وجولات تصل بها إلى 13 مرة خرج فيها المصريون ليدلوا بأصواتهم، أى بمتوسط كل خمسة شهور مرة تقريباً، ولا شك أن هذا يمكن أن يصيب قطاعات منهم بقدر من الملل وعدم الرغبة فى تكبد عناء التصويت فى الانتخابات البرلمانية. أيضاً، فإن تعقد المشهد السياسى فى البلاد واعتراض شرائح من الشباب وبخاصة الحضرى على بعض ملامحه وممارساته، يمكن أن يكون دافعاً لعدم إقبال بعضهم على التصويت، وهو الأمر الذى تشير إليه انطباعات شائعة ويحتاج إلى إحصائيات مدققة من اللجة العليا للانتخابات لتأكيده أو نفيه. وأخيراً، يرى البعض أن تعقد النظام الذى جرت الانتخابات بموجبه ما بين فردى وقوائم وتغيير ورسم دوائر جديدة، قد أعاق قدرة شرائح غير قليلة من المصريين على فهمه ومن ثم امتناعها عن التصويت.
ويؤكد الجدول رقم (1) الخاص بعدد ونسب التصويت فى المحافظات الأربع عشرة التى شملتها المرحلة الأولى، أنه لا توجد عوامل تتعلق بمحافظات دون غيرها أدت إلى هذا النمط من التصويت المنخفض، فتشابه معظم محافظات الصعيد فى التكوين الاجتماعى والسياسى لم يتبعه تقارب نسب التصويت فيها بل كانت هناك فوارق ملحوظة بين بعضها، يصعب إيجاد تفسيرات لها سوى ما سبق أن أشرنا سابقاً. وحتى المحافظات الحدودية الصحراوية المتشابهة فى ملامحها السكانية والاجتماعية، كانت بينها أيضاً فوارق ملحوظة فى نسب التصويت كما هو الحال بين البحر الأحمر والوادى الجديد. ويتأكد هذا عند ملاحظة الفارق بين أعلى المحافظات تصويتاً وهى الوادى الجديد والتى تجاوزت 37% وأقلها وهى الجيزة التى تجاوزت بقليل 21%، أى بفارق نحو 16%.
ثالثاً: الأصوات الباطلة
تميزت هذه الجولة الأولى من انتخابات المرحلة الأولى بظاهرة غير مسبوقة فى تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية منذ ثورة 23 يوليو 1952، وهى الزيادة الكبيرة فى عدد ونسبة الأصوات الباطلة للمقاعد الفردية ومقاعد القوائم. فبالنسبة للمقاعد الفردية بلغ عدد الأصوات الباطلة 696.303 صوت بنسبة 9.53% من الحاضرين. أما بالنسبة لمقاعد القوائم، فقد بلغ عدد الأصوات الباطلة فى دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد 745.892 صوت بنسبة 14.18% من الحاضرين، بينما بلغت فى دائرة غرب الدلتا 156.584 صوت بنسبة 7.65% من الحاضرين، مما يعنى أن متوسط نسبة الأصوات الباطلة فى دائرتى القوائم قد بلغ 10.92%. ويوضح الجدول رقم (2) عدد ونسب الأصوات الباطلة فى المحافظات الأربع عشرة للمقاعد الفردية، ويظهر منه أن أكثر المحافظات بطلاناً للأصوات هى المنيا بما يزيد على 12% من الحاضرين، بينما كانت الأقصر أقلها بطلاناً بنحو 6%، أى نصف نسبة المنيا تقريباً.
والمفارقة الحقيقية فى نسب الأصوات الباطلة فى هذه الجولة تتمثل فى زيادتها بالنسبة للقوائم عن الفردى، على الرغم من أن بطاقة التصويت للفردى قد وصل عدد المرشحين فى بعضها لأكثر من أربعين مرشحاً وتراوح معظمها حول رقم العشرين مرشحاً، بينما لم تحتو بطاقة التصويت للقوائم بالنسبة لدائرة الصعيد سوى على أربعة سطور ودائرة غرب الدلتا على ثلاثة سطور هى عدد القوائم المتنافسة فى كل منهما.
من هنا فلابد بداية تفسير هذه المفارقة وذلك التزايد فى نسبة البطلان فى التصويت للقوائم عنها بالنسبة للمقاعد الفردية. وهنا يمكن الحديث عن ثلاثة تفسيرات، الأول هو الإبطال المتعمد لأصوات بعض الناخبين لبطاقة القوائم نظراً لعدم وجود من يمثل مناطقهم فيها جميعاً أو اعتراضهم على من تم اختيارهم فيها. والثانى هو خلط بعض الناخبين المتعودين فى الانتخابات البرلمانية السابقة بالنظام الفردى على التصويت لاثنين من المرشحين فى كل دائرة، وهو ما قد يكون تكرر منهم هذه المرة فى التصويت للقوائم التى يجب اختيار واحدة منها فقط، فبطل الصوت. أما التفسير الثالث فهو سياسى أكثر منه جهوى أو مناطقى وهو أن إبطال بعض الأصوات أتى احتجاجاً على القوائم جميعاً من الزاوية السياسية، حيث رأى من أبطلوا أصواتهم أنها جميعاً لم تعبر عن انحيازاتهم السياسية.
أما البطلان العالى فى البطاقات الفردية فيمكن رده إلى عوامل أخرى، منها العدد الكبير للمرشحين فى مختلف الدوائر الذى بتفاعله مع نسبة الأمية المرتفعة فى غالبية محافظات المرحلة الأولى فى الصعيد خصوصاً يمكن أن يكون أحد أسباب التفسير. كذلك فإن تراوح عدد من يجب اختيارهم فى كل دائرة من مرشح واحد إلى أربعة مرشحين، ربما لم يكن معروفاً لكثير من الناخبين الذين تعودوا كما سبق القول على التصويت لمرشحين اثنين بالدائرة فى جميع الانتخابات البرلمانية السابقة، مما رفع نسبة البطلان فى بطاقات التصويت الفردى. وقد بدا واضحاً أن اللجنة العليا للانتخابات واللجان العامة لم تضع أمام اللجان الفرعية التى يتم فيها التصويت ما يوضح للناخب العدد الواجب عليه انتخابه فى دائرته مما ضاعف من أثر هذا العامل، والذى لم يخفف منه كما توضح شهادات العيان سوى جهود بعض القضاة رؤساء اللجان الفرعية لشرح هذا الأمر للناخبين قبل التصويت الأمر الذى قلل من نسبة الأصوات الباطلة فى لجانهم.