الخيال غير مرتبط بالزمان. لا علاقة له بالمكان. بينما الشخص هو الشخص له نفس التركيبة. إذا ظهر منذ مائة عام فله ميول وجنوح. إذا ظهر اليوم فله نفس الميول ونفس الجنوح مع اختلاف معطيات العصر.
بمعنى أن محمد على لو ظهر اليوم. لكان له نفس الحرص على منابع النيل. قد تختلف الوسائل. قد تتغير الأدوات ولكن نظرته الاستراتيجية ستكون واحدة. كذلك الخديو إسماعيل. لم تكن نيويورك وناطحات السحاب موجودة فى زمانه. لو جاء اليوم لأقام شيئاً بالتأكيد يختلف عن القاهرة الخديوية. كانت باريس هى أفضل المعطيات فى حينها.
طيب لو تخيلنا «مهاتير محمد» رئيساً لمصر بدلاً من عبدالناصر ماذا سيكون عليه الحال اليوم؟.
لأقام علاقات مع كل من سيحقق مصلحة لمصر. مهما كان وأياً كان. لتفادى حرب 56 و67 و73. لجعل من مصر ملاذاً لأموال البترول. لحوّل الوادى القديم لغابة من المصانع. لاستغل المياه كما يجب أن يتعامل مع نِعم الله. وألغى الرى غمراً، منذ أولى سنوات حكمه، ولكانت مساحة المزروع من صحارى مصر خمسة أضعاف الوادى.
على الجانب الآخر ماذا لو تخيلنا عبدالناصر رئيساً لماليزيا بدلاً من مهاتير محمد؟. جاء فوجد سنغافورة قد انفصلت عن ماليزيا. أصبحت دولة مستقلة. تقدمت فى كل معايير الحياة: تعليم – نظافة – صناعة – تجارة – صحة – دخل الفرد فيها.
ماذا كان فاعلاً؟ أعتقد - إلا إذا كانت استقراءاتى لشخصه خاطئة تماماً - بكل وطنية. كان سيخاطب أهل ماليزيا. وبكل وطنية سيوجه حديثه لأهل سنغافورة. سيقول عن اقتناع إن هذا الانفصال من تدبير القوى الإمبريالية. وغالباً سيكون محقاً فى زعمه. سيقول إن على ماليزيا استعادة سنغافورة. يجب أن تعود إلى «الوطن الأم». حينها ستتربص به القوى الإمبريالية. سينتهى الأمر بحرب ضروس بين ماليزيا وسنغافورة. حرب ستجعل كلا البلدين حطاماً. لا يستطيع أحد التشكيك ولا التثريب على نوايا عبدالناصر. أمانته – وطنيته – نقاؤه. أمور لا يجرؤ أى شخص أمين على التشكيك فيها. إلا كان مغرضاً وكذوباً. هنا المرجعية شخصية. الرجل وتوجهاته. كيف يفكر؟ وما الذى يحركه فى نهاية الأمر؟ هذا مجرد خيال لكراسى موسيقية. بين شخص وآخر. بدلًا من الكراسى استخدمنا البلاد.