كتب- عصام العبيدى
إيه ده اللى حصل فينا ياناس.. بقينا كلنا من ناهشى الأعراض.. بل أصبحنا من آكلى لحوم البشر.. أصبنا بداء التشفي.. والرغبة في الانتقام.. وكأننا أصبحنا كائنات شيطانية.. ﻻ تحمل إلا الحقد والغل والكره!!
أبدا لم نكن كذلك طوال تاريخنا.. والذى كانت صفة التسامح والتراحم أجل صفاتنا المسجلة في صفحاته!!
بعد ثورة يناير.. فوجئت على شاشة التلفاز.. بأحد عمال التراحيل.. ويعمل بمهنة «نحات» .. وهو يتكسب رزقه يوما بيوم.. فهو لا يمتلك من حطام الدنيا.. إلا أجنه وشاكوش.. يقتات بهما.. وينفق على اولادة من خلالهما !!
فوجئت بهذا الرجل..يذهب كل يوم من ايام محاكمة رجل الأعمال احمد عز..إلى التجمع الخامس ليفعل شيئاً في منتهى الغرابة !!
تخيلوا ما هو هذا الشىء..الذي يترك من اجله عمله..ويتحمل مشقة السفر..إلى التجمع الخامس.. وربما ركب اكثر من ثلاثة مواصلات.. حتى يصل لمقر المحاكمة. .اما الهدف فهو إلى جانب التشفي في رجل الاعمال..فإنه كان يروى رغبته في التشفى والانتقام.. من احمد عز بان يقوم بالتقاط شبشب الزنوبة الذي يرتديه..ليلقيه على سيارة الترحيلات التي تحمل رجل الأعمال !!
وقتها التمست العذر للرجل.. وقلت لما لا وهذا الرجل الفقير.. هو احد ضحايا عز.. وسطوه على مقدرات البلاد.. ومن ناحية أخرى قلت ان هذا عرض ثورى معتاد.. يعقب الثورات الشعبية..واقصد به الرغبة في الانتقام.. لكن ما تلبس ان تهدأ أعراضها.. بمجرد ان تهدأ الاوضاع.. وتخبوا جذوة الثورات!!
لكن لم اكن اتخيل ان يطول بنا هذا المرض الثورى اكثر من ذلك !!
ولكنى اكتشفت طوال الايام القليلة الماضية.. والتى شهدت إلقاء القبض على رجل الاعمال صلاح دياب..ان هذا المرض الخبيث قد انتشر وتفشى فينا..واقصد به مرض التشفي..والنهش في اعراض الناس..وفى ذمتهم واعراضهم..خاصة اذا كانوا من المشاهير..سواء رجال اعمال أو فنانين أو لاعبى كرة..أو حتى سياسيين!
فما ان يتم القبض على احدهما..حتى تنهش فيه الفضائيات والصحف..وتتبارى في التقاط الصور له.. خاصة اذا كانت الكلبشات في يديه.. فهى صورة اعلامية بمليون جنيه..تدفع فيها الفضائيات دم قلبها..من اجل الفوز والانفراد بهذا الكنز..الذي ترفضه الأخلاق والقيم!!
وكأن بهدلة وإذلال رجال الاعمال..باتت هي الهدف..وكأن هؤلاء كائنات شيطانية. .تمص دماء البشر..وتستنزف ثروات الشعب!!
ونحن هنا لسنا في موقف ادانة رجال الاعمال.. أو تبرئة ساحتهم.. رغم ان القاعدة القانونية والانسانية.. تقول ان المتهم برىء حتى تثبت ادانته!!
لكننا ندافع عن الحق ولا شىء غيره.. فليس كل رجال الاعمال فاسدون.. يستحقون القتل والصلب ..على بوابات مدينة الانتاج الإعلامى!!
فمنهم الشرفاء الذين شيدوا المصانع.. واقاموا الاستثمارات.. وشغلوا ملايين العمال..حتى ان كل العاملين في الدولة.. ﻻيزيد عددهم عن ستة ملايين عامل وموظف.. في حين ان العاملين في القطاع الخاص..في شركات ومصانع رجال الاعمال..يزيد عددهم على 26 مليون موظف وعامل !!
صحيح ان بعض رجال الأعمال.. سرقوا وافسدوا ونهبوا.. ويستحقون الشنق على باب زويلة.. لكن هذا لا ينسحب على كل رجال المال والاعمال الشرفاء.. الذين بدأوا من الصفر..ونحتوا الصخر.. وقد استفادوا وأفادوا بلادهم!!
انا هنا لا أدافع عن صلاح دياب.. فقد كنت اكثر الناس مهاجمة له مرة عندما هاجم صحيفتى الوفد.. ومرة أخرى عندما استسهل فصل وتشريد زملائنا من الصحفيين..في جريدته المصرى اليوم !!
ومن هنا فلا اعتراض منا على محاكمته..واخذ حق الدولة من حبابى عنيه..ولكن اعتراضنا الوحيد..على طريقة القبض عليه.. والتى افتقدت لابسط قواعد اللياقة.. وكأنه حرامى غسيل!!
بل والحرص على اذلاله وبهدلته..رغم كونه واحدا من كبار رجال الأعمال في مصر.. وهى رسالة كارثية لرجال الأعمال. .وعلى فرص الاستثمار..فمهما كانت جرائم دياب. .فهى جرائم اقتصادية. .والدولة فتحت الباب على مصراعيه للتصالح فيها..فلماذا الاصرار على بهدلته واذلاله..بهذه الصورة المؤسفة !!
لقد كتبت «بوست» على الفيس بوك بهذا المعنى..وفوجئت بكم هائل من الاتهامات..اقلها اننا قابضون من صلاح دياب..أو حتى منتظرون لنعيم جنته..وهم لا يعلمون ان العبد الفقير إلى الله. .من اكثر الكتاب الذين هاجموا دياب في عز مجده ..ولم ننتظر من احدا لا جزاء.. وﻻ شكورا. .انما والله لوجه الله والوطن !!
ارجوكم عودوا إلى طيبتكم..التي عرفنا بها العالم كله..فهذا الغل والتشفي دخيل علينا..بل اننى اعتبره مرضا ثوريا.. أتمنى أن يزول!!