x

نادين عبدالله تكميم الأفواه نادين عبدالله الثلاثاء 10-11-2015 21:47


هو أمر له طرق عدة منها المباشر والكلاسيكى كفرض قوانين مقيدة للحريات بشكل عام والحريات الإعلامية والصحفية بشكل خاص أو عقاب من نشر أو أذاع رؤى معارضة. وبرغم المساحات الإعلامية والصحفية القليلة المتبقية فى الوقت الراهن، لا يستطيع أحد منا إنكار حقيقة وجود تضييقات لا يعانى منها المجتمع الصحفى والإعلامى بل أيضًا كل من حاول، وأى من أراد، التغريد خارج السرب.

والكارثة هنا هى أن الأمر لم يعد مقتصرًا على ذلك، بل بات أيضًا لتكميم الأفواه شكلاً رديئًا ومختلفًا: الاغتيال المعنوى، فقد أصبح الأخير سلاح من لا حجة له من الإعلاميين المحصنين أو من المؤيدين ليس للنظام بل لإخفاقاته، فالتشويه والتخوين هما النهج المتبع مع كل من قدم ملاحظات نقدية حتى ولو بناءة، ومع كل من عبر عن رأى معارض ربما يختلف فيه مع سياسات النظام ولا يختلف على الوطن. بالتأكيد تحاول جماعة الإخوان تشويه النظام الحالى والنيل منه، وهو أمر لا فصال فيه ولا خلاف، لأننا نتكلم عن جماعة اختارت منذ اللحظة الأولى طريق الخراب والدمار. لكن المشكلة هنا هى أن دائرة الإخوان تتسع يومًا بعد يوم كى يلصق بها عنوة كل من يقدم نقدًا ربما يفيد الوطن أكثر من التطبيل، أى أن إشاعات تنتشر هنا أو هناك لاتهام كاتب أو سياسى أو خبير بالانتماء أو التعاطف مع هذه الجماعة رغم بعدهم كل البعد عنها. أما السبب وراء هذه الاتهامات هو فقط محاولتهم تقديم رؤى نقدية وبدائل مختلفة. وعلى نفس المنوال، تتضخم الفرقة المسماة بالطابور الخامس فيحشر بداخلها حشرًا كل من لديه مقترحات مختلفة ربما تبنى مصر أكثر من تأييد إعلامى أو شعبوى أعمى لأى قرار.

ومن جهة آخرى، سيناريو ما بات مكتوبًا سلفًا وفيلمه بات مكررًا: مع كل مصيبة ينهال علينا كالمطر حكايات وحواديت المؤامرة الكونية. وبشكل عام، لا أحد ينكر أن تصرف بريطانيا وإجلاءها لرعاياها بهذا الشكل هو أمر مثير للريبة، ولا أحد ينكر أن الكثير من جماعات الضغط الأوروبية متعاطفة بغير حق مع جماعة الإخوان ولأسباب حاولنا تحليلها فى مقالات سابقة لنا. لكن الأكيد هو أن الإنسان الوطنى الذى يخاف على هذا البلد بحق وحقيقى سيدعو النظام إلى مراجعة سياساته فى مجملها، وأيضًا إجراءاته الأمنية والإدارية لحماية قطاع السياحة فى مصر، وللتأكد من عدم وجود تقصير بدلا من الاكتفاء بنظريات للمؤامرة لو صلحت فى الستينيات فلن تصلح فى القرن الواحد والعشرين.

وأخيرًا، نعم، نعترف أن النظام الحالى يواجه تراكمات فشل كل من نظام مبارك ومرسى معًا، إلا أن هذا لا يعنى أن جميع توجهاته أو سياساته لابد وأن تظل دومًا فوق النقد. فالعديد من الأزمات الحالية ليست ناتجة عن «مؤامرات كونية»، ويدل فقط عن قدرة غائبة على إجراء إصلاحات مؤسسية تهدف ليس فقط لإعادة دولة القانون ومنع تجاوزات مؤسسات الدولة فى حق المواطن بل أيضًا معالجة ترهل أجهزتها وضعف كفاءتها. لذا، دعونا نقولها صراحة، استمرار منهج تكميم كل صوت لديه رؤى نقدية وملاحظات تحتوى بدائل بناءة يعنى القضاء على آخر فرصة لبناء هذا الوطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية