x

عبد الناصر سلامة مبارك والسبع لفات عبد الناصر سلامة السبت 07-11-2015 21:27


وكأنه أمر مدبر ومقصود، تخاذلت وتكاسلت وزارة الداخلية فى الرد على محكمة النقض بشأن جلسة محاكمة الرئيس مبارك الخميس الماضى، فقد كان من المفترض حضور الرئيس حتى لا يتم تأجيل القضية، والسير فى إجراءاتها طبيعياً، إلا أن وزارة الداخلية لم ترسل ردها إلا ليلة المحاكمة، قالت إنه يتعذر حضوره إلى دار القضاء العالى بوسط القاهرة، مما حدا بمحكمة النقض تأجيل القضية حتى شهر يناير المقبل، والانتقال للمرة الأولى فى تاريخها إلى مكان آخر (قاعة أكاديمية الشرطة) لنظرها.

نحن هنا نتحدث عن قضية العدالة الناجزة، والتى من أجل الوصول إليها يجب أن تتكاتف جهود الجميع، إلا أن الداخلية هنا أثبتت كعادتها أنها تعمل خارج إطار الزمن، فلا العدالة الناجزة فى الاعتبار، ولا الأمن بمفهومه الإنسانى، حيث أهمية إنجاز قضايا الناس، فما بالنا إذا كان المقصود بالناس هنا رئيس مصر الأسبق، الذى قضى حتى الآن خمس سنوات مقيّد الحرية، يبحث فقط عن براءته، ما بالنا إذا تعلق الأمر بشخص آخر.

قد يرى البعض أن الأمر لو كان يتعلق بشخص آخر لكان إنجاز العدالة أكثر سرعة، ولتعاونت الداخلية أكثر من ذلك، ولكان تأجيل القضية أقرب من ذلك وهكذا، إلا أننا لا نريد الدخول فى علم الغيب، فقط نحن أمام حالة غريبة يترقبها الرأى العام فى الخارج، وبالتأكيد هى حالة لا تسر لا عدوا ولا حبيبا، حينما يتعلق الأمر بشخص رئيس جمهورية سابق، ويستمر تقييد حريته تحت بند المحاكمة نحو خمسة أعوام، وتستمر المحاكمات إلى ما شاء الله، غير محددة المدة، ويظل الرجل يتنقل من سجن إلى مستشفى، إلى محكمة هنا وأخرى هناك، وقد بلغ من العمر عتياً، فنحن أمام وضع غير مقبول لا داخلياً ولا خارجياً.

وفى أعقاب صدور قرار المحكمة بالتأجيل، ووضوح الرؤية حول تخاذل وتكاسل الداخلية، مما أدى إلى هذا القرار، تابعتُ ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعى، لأجد أن الصفحات المتعاطفة مع شخص مبارك قد كالت الاتهامات للدولة الرسمية، وكأن القرار سياسى بالدرجة الأولى، الهدف منه هو التنكيل بالرجل مثلا، أو النيل منه، حتى لا يستطيع إظهار براءته، أو الحصول على حريته، بينما ترى الصفحات المناوئة العكس تماماً، وهو أن الدولة لا تريد إدانته، وفى الحالتين كأن القضاء غير موجود، أو أن الكلمة الأخيرة ليست للقضاء مثلا، وهو أمر خطير تسبب فيه ذلك الإهمال من الداخلية، سواء كان عمدا، أو حتى غير مقصود.

العدالة الناجزة أيها السادة حول جميع القضايا من شأنها المساهمة فى تحقيق الأمن فى ربوع البلاد، سواء تعلق الأمر بقضايا مدنية، أو جنائية، قضايا تخص رؤساء، أو خفراء، فى العاصمة، أو فى الأقاليم، قضايا عادية، أو تتعلق باهتمامات الرأى العام، فى كل الأحوال يجب محاسبة من تسببوا فى تعطيل إنجاز القضايا، من أى نوع كانت، ومن حق القضاء هنا توقيع العقوبة على من يرى أنه قد أعاق إنجاز العدالة، شخصاً كان، أو جهة رسمية.

وفى هذا الصدد لا أدرى لماذا أُنشئت وزارة للعدالة الانتقالية، ولماذا أُلغيت، وإذا كان الهدف من وجودها هو إنجاز العدالة، فلماذا لم يتحقق، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يتم تفعيلها وسد ثغرات الإخفاق والفشل بدلا من إلغائها، وما هو السبيل الآن للإسراع بتحقيق العدالة؟ خاصة أنهم قديما قالوا إن العدالة البطيئة ظلم بيِّن، أو نوع من الظلم، كم من المؤتمرات عُقدت خلال العقود الثلاثة الأخيرة حول الإسراع بإنجاز القضايا، أو تحقيق العدالة، وكم من القرارات المتعلقة بهذا الشأن، إلا أن المحصلة كما نراها الآن، نتيجة سوء سلوك جهات مختلفة.

الظروف التى تعيشها مصر الآن من جميع الجوانب، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، تحتم علينا النظر إلى المستقبل أكثر من أى شىء آخر، تحتم علينا نفض غبار الماضى بكل ما يحمل من آلام، تحتم علينا التعامل مع الماضى بما تحمله الكلمة من معنى، بمعنى أنه لا يجوز، بأى حال، لشعب يعانى على كل الأصعدة، أن تكون كل اهتماماته بالماضى، على مدى خمس سنوات مضت، وربما مثلها مقبلة، أن تكون قضيته الأولى هى التشفى، والغل، والانتقام، وتعطيل قضايا الناس الحقيقية، لحساب قضايا لم تعد تسمن ولا تغنى من جوع، وهى فى نفس الوقت تكلف خزينة الدولة الكثير من النفقات، بالتأكيد كان المواطن البسيط أولى بها.

أتمنى أن يأتى ذلك اليوم الذى تنتهى فيه منازعات الناس على أعتاب مكاتب النيابات، ولجان التوفيق بين المتخاصمين، وفض المنازعات لحظياً، بالتوافق أو التصالح، وهو الأمر الذى جعل عدد القضايا المنظورة بالمحاكم فى دولة مثل اليابان، لا يتجاوز عشرات الآلاف، فى مقابل عشرة ملايين قضية لدينا، مع تقارب عدد السكان هنا وهناك، أما إذا كان الهدف لدينا هو الزج بالمواطن فى أتون السبع لفات، فبذلك يكون مبارك قد وقع ضحية الثعلب المكّار، وبقيت له لفتان، حسبما روت الأسطورة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية