سألت حكيم الزمان عن أسرار لعبة الحياة، بعدما غُلبت وغُلب حمارى عن استيعاب مجريات الأمور من حولى، فقال لى بتناكة يُحسد عليها، لأنه مجرب وخبرة «اسمعى يا ابنتى الحائرة.. فى نفس كل شخص فينا تدور معركة هى أشبه بحرب بين ذئبين متساويين فى السعة والوزن، أحد الذئبين يمثل الشر والحسد والغيرة والأنانية والكذب، والآخر يمثل الخير والسلام والحب والتضحية والإخلاص»، فسألته: «وفى النهاية أى ذئب ينتصر على التانى؟»، ابتسم بصفراوية لا تُحتمل، وقال: «دائماً ينتصر ذلك الذئب الذى يُطعمه الإنسان ويغذيه أكثر من الآخر، فإذا أطعمتِ الشر غَلب الشر وإذا أطعمتِ الخير غَلب الخير، فالذى يزرعه الإنسان إياه يحصد».
إذن نحن الذين نزرع الشوك، نحن الأصحاء المرضى بداء الشكوى، نحن العقلاء فى العلن والمساطيل فى الدِرا، نحن الأوفياء للغدر والشرفاء الذين على حافة الرذيلة، نحن المتدينون حتى الإلحاد والمثاليون بادعاء، نحن المخادعون على حق والمتحدون على باطل، نحن أصدقاء السوء وجيران السو وولاد الكار م الدار ع النار، نحن المضحكون السخفاء والبخلاء بسخاء، نحن المعارضون من باب الاعتراض فقط، أُسود المظاهرات وديناصورات الوقفات الاحتجاجية وعَتاولة الاستفتاءات على أى إفتا والسلام، وفى الحروب الدامية نعامة، إحنا الفالحين فى الإضراب والإسقاط والإقالة بلا استراتيجية واضحة المعالم أو محددة المطالب، نحن عنترية مناظر وفنجرية بوء، والتهويش عندنا أسلوب حياة، والهيفا وهبى نتصدر وفى الجد نتبخر، نحن أبناء الصمت الانتخابى وإبطال الصوت الانتخابى، وفى نفس ذات الوقت أساتذة تبرير وتمويه وتضليل وتنديد، نحن النشطاء الكسالى عن الممارسة الفعلية على أرض الواقع، نحن الأحزاب التى لا حس لها ولا خبر إلا قرب الترشح، نحن الأغلبية المغيبة والنخبة الغائبة، نتوق للديمقراطية بمنتهى الديكتاتورية، ونفرض العلم والإيمان بأقصى جهل، نحن المحللون حسب الأهواء من غير بيانات، نحن المراقبون لكل ما يحدث دون شفافية، نحن الخبراء الذين لا يفقهون شيئاً خارج حدود النصوص المدونة سلفاً، نحن آلهة الفتى وعبيد الخرافات ومصنع تفريغ الشائعات وتشييرها وتدشين حملات الضد، ده غير ميول التشفى فى اللى نعرفه واللى ما نعرفوش، نحن الأرزقية الفهلوية فى المطلق وأباطرة التخصص بلا تسجيل وملوك التعويضات من دم الغلابة وتجار العرض غير المطلوب والطلب غير المعروض، نحن البائع والشارى فى آن واحد، نحن الذين خرمنا التعريفة كى يتصاعد الدولار بجنون، إحنا بتوع الأتوبيس سابقاً والتكاتك حالياً، المتحرشين بجدارة والجدعان باستعراض، نحن الذين نقسم بالأيمانات ولا نفى ونتعهد بالوعود ونخلف، نحن الذين نفشل من أول اختبار ولا نعاود المحاولة مجدداً، بل ونلقى اللوم على البخت المايل والحظ العاثر والآخرين المتآمرين، نحن المستهترون الذين ينتقضون الإهمال بشدة ويحترفونه، نحن المتواكلون على أمجاد الماضى دون سعى أو اجتهاد، نحن الهادفون فى دورى الموائد المستديرة فقط، نشجع اللعبة الحلوة من بعيد ولا نتقنها فى الحياة العامة ولا الخاصة، نحن الذين نسمع أخباراً ولا نتحقق منها ونرى مشاهد ولا نعى خلفياتها، ونتكلم بلا حجة ونجادل بلا سند ونؤكد بلا دليل، ونصدر أحكاماً بلا رحمة، نحن الخطاة الذين نبكى ندماً على ذنوب لم يسعفنا الوقت لنرتكبها وفى نفس اللحظة نتصيد السقطات لبعضنا البعض ونفلت من العقاب إذا ما وُجِّهت إلينا أصابع الاتهام، نحن الفاسدون الذين ندين فاسدين مثلنا لم يحالفهم الحظ فى إخفاء فعلتهم الدنيئة، لأنهم أغبياء فى فنون الجريمة الكاملة، نحن الأبرياء الذين ثبتت إدانتهم برشاوى والمذنبون الذين تمت تبرئتهم برشاوى أجرى من الأولانية، نحن الفقراء الذين نملك ثروات لا نستثمرها ونستدعى مستثمرين «أغراب» يتولون مهمة التخطيط والتنفيذ وجنى ثمار الأرباح بدلاً منا، نحن الموظفون فى الأرض الصابرون على مضض والطائعون إلى أن تحين لحظة التمرد الفجائية تلك التى تسبق الانفجارة المروعة مع أننا فى الأصل طغاة كراسى، بل ومصنع الكراسى ذات نفسه، نحن الذين نطفش الكفاءات وحين تحقق نجاحات خارجية نستدعيها على الفور لنستفيد من خبراتها وخيراتها التى فشلنا فى دعمها وتمويلها من البدء، نحن الذين لا نعمل إلا تحت التهديد ولا ننتظم إلا بالغرامات، ولا ننتبه إلا بعد الكوارث، ولا تأتينا الصحوة إلا بعد فوات الأوان. نحن أول مَن يقدم التعازى للمتضررين وأسرع مَن يلتقط الصور التذكارية وأذكى مَن يتواجد فى كل المحافل ويخلع بعد تسلم الدروع والأوسمة ليلحق بمحافل تانية وتالتة فى أماكن أخرى لتسلم أوسمة ودروع إضافية، نحن أبطال من ورق ونجوم من كرتون، نحن أعمار مستنزفة وأفكار مشتتة وكلمات متقاطعة وأرواح مستباحة وأحلام مؤجلة أو مقهورة سيان، نحن متصدعون فى أمسّ الحاجة إلى ترميم، فوضويون فى أشد الحاجة إلى تعديل، متناثرون يلزمنا إعادة هيكلة حقيقية على أسس وقواعد غير قابلة للاختراق والهدم ولا أستثنى أحداً وأولهم أنا وعم حكيم الزمان بشرحه، فلنبدأ بدءاً حسناً بأنفسنا لينضم إلينا الآخرون ونكف عن انتظار عبور سفينة نوح من قناة السويس الجديدة، لأن العم نوح أصلاً بنى وشَيّد لوحده دون مساعدة أحد، يبقى كل منا يشيل ليلته ويعمل الواجب.