المصرى الذى يترك بلده بحثاً عن مصدر رزق آخر يستحق التقدير والاحترام.. لأنه لم يتسول ولم يسرق ولم ينصب.. بل ترك أهله وعياله بحثاً عن لقمة العيش الحلال.. وما يفعله المصرى يفعله الأمريكانى والفرنسى والبريطانى والهندى والسودانى وجميع شعوب الأرض.
والعمل خارج البلاد ليس عيباً وليس مهانة.. والعمالة المصرية المهاجرة تبنى وتعمر وتستصلح وتشيد.. وليس عيباً أن العمالة المصرية فى دول الخليج التى تضم أستاذ الجامعة ومعلم المدرسة والطبيب والمهندس والقاضى والمحاسب.. تشمل كذلك الصانع والزارع والتاجر وحتى الشيال وسائق التاكسى وعامل البناء على باب الله.
وفى شوارع جنيف التى أعرفها يتولى الكناسون الطلاينة تنظيف الشوارع دون أن يتعالى عليهم أحد ولهم كل التقدير والاحترام.. وعمال المطاعم من الفرنسيين وعمال الزراعة من الإسبان والبرتغاليين.. وفى فرنسا عمال البناء من اليوغسلاف والمغاربة والأتراك.. ولهم حقوق مساوية للعامل الفرنسى.
وفى بريطانيا العمالة البسيطة تضم الهنود والباكستانيين.. دون أن تجد الهند وباكستان حرجاً فى ذلك.
أقصد أن الحكاية ليست بدعة.. والدول الكبرى فقط تصدر عمالتها للخارج.. وعمرك شفت طبيباً كويتياً يعمل خارج الكويت.. أو محاسباً إماراتياً يعمل خارج الإمارات؟!
وهناك من يروج الآن أن ثمة غضباً فى الكويت من المشاجرة التى وقعت منذ أيام بين كويتيين وعدد من المصريين.. وأن الحكومة الكويتية تفكر فى الاستغناء عن العمالة المصرية.. وهو ليس صحيحاً بالمرة.. لأن الأخوة فى الكويت بالذات يعلمون فضل العامل المصرى البسيط وشريك النضال.. الذى شارك فى تحرير الكويت ولم يكتف.. بل تحمل عبء إزالة الألغام التى زرعها جيش العراق فى كل مكان.. وهى المهمة التى اعتذر عنها الأمريكانى والبريطانى لارتفاع نسبة الضحايا.. وهى النسبة التى تفوق كثيراً نسبة ضحايا الحروب.. ومع هذا تولى المصرى البسيط والعامل الغلبان المهمة الثقيلة والمقدسة.. وليس عيباً أنه تقاضى أجرا مقابل ذلك.. فهو يرضى بقليله.. وهو ليس كالأمريكانى أو البريطانى الذى عمل كمقاول أنفار وتقاضى المليارات.. ولن نخجل إذن من عمالتنا.. وإذا كان هناك من يلوح بترحيلهم فلا بأس.. اعطوهم حقوقهم نتاج عرقهم وتحويشة عمرهم.
وإذا كان هناك من أخطأ من الجانبين فحاسبوه وحاكموه فى ظروف عادلة.. والمتهم برىء حتى تثبت إدانته.. دون غمز أو لمز.. ودون معايرة أو تذكير بالمرتبات التى يتقاضونها.
حققوا فى ظروف استجلاب العمالة، وتحميلها فوق طاقتها لتحقق للبعض من مقاولى التشغيل من الجانبين أرباحاً فاحشة.. دون أن يتحقق للعامل الغلبان أبوالعيال الحدود الدنيا للعمل الكريم.
لا داعى لصب الزيت فوق النيران المشتعلة فى النفوس.. وأخشى أن يعتبرها البعض هنا وهناك فرصة لتصفية خلافات قديمة.. أو إثارة لنعرات لا داعى لها.. وما حدث مؤخراً لا يزيد على كونه زوبعة فى فنجان.. تحدث وتتكرر فى كل ركن من أركان المعمورة بين المواطنين.. وبين الدول وجاراتها..!
والجمهور الإنجليزى صاحب سوابق.. يشن الغارات الدورية على جيرانه عقب كل مباراة لفريقه.. ويسقط قتلى وجرحى..!
والإسبان يتعرضون فى كل مناسبة لصيادى فرنسا الذين يحلو لهم الاقتراب كثيراً من المياه الإقليمية الإسبانية والصيد بشباك غير خاضعة للمواصفات.. وتقع معارك بحرية دامية بين الفريقين..!
وفرنسا تقف لألمانيا فى الرايحة والجاية.. رغم الوحدة والاتحاد والاندماج الأوروبى!
أقصد أن المعارك والخناقات وحوادث الشغب تتكرر فى كل يوم وفى كل مكان.. فلا داعى إذن للتزيد من الجانبين.. ولا أصدق ما يروجه البعض من الجانبين عن تفاصيل الخناقة العبيطة والمتخلفة والقبلية.. التى سقط ضحيتها مصرى قتيل وعدد من الجرحى.. ولا أصدق ما يؤكده البعض عن نية الكويت التخلص من العمالة المصرية.. لأنه من المستحيل عملياً أن تستغنى الكويت عن مصر.. الشقيقة الكبرى..!
ولا تنس أبداً.. أن المصرى يعمل ويبنى ويزرع ويصنع ويشيد ويطبب ويعلم.. لا يزنى ولا يسكر ولا يعربد أو يخون.. المصرى الذى يترك بلده ليعمل خارج البلاد.. يستحق التقدير والاحترام.!