أذكر أن سياسياً شهيراً نبهنى، في أيام وجود الإخوان في الحكم، إلى أن الصحف اليومية لا تكاد تخلو في كل صباح من واقعة جديدة لتهريب السلاح إلى داخل البلاد.
وكان الشىء الذي لفت نظر السياسى الشهير، وهو يحدثنى، أن القصة كلها تنتهى بمجرد الإعلان عن ضبط السلاح المهرب، وأنه لا أحد يذكر شيئاً ساعتها أو بعدها، عن أسماء الذين يقومون بالتهريب، ولا عن الجهة التي يدخلون بالسلاح إلينا لصالحها!
وقتها، أحسست أن الموضوع يشغل الرجل جداً، وأنه مهتم، بل مهموم به، وكأنه كان يقرأ مبكراً ما سوف يكون لاحقاً، من سقوط الإخوان، ثم اكتشاف كل هذا الحجم من السلاح، الذي أتى إلى البلاد، في أيامهم، بل بمباركة وضوء أخضر منهم!
طافت الحكاية في ذهنى، وأنا أتابع هذه الأيام، ما يجرى في الكويت حول موضوع مماثل.
فالحكومة الكويتية قررت منح مهلة، تبدأ من أول مارس الحالى، لأربعة أشهر قادمة، يقوم خلالها كل مواطن يمتلك سلاحاً غير مرخص بتسليمه في أي مركز من 28 مركزاً، حددتها الحكومة على مستوى الدولة.
وفى مقابل المبادرة بتسليم السلاح غير المرخص، تعهدت الداخلية الكويتية لصاحبه، مسبقاً، بأنها لن تسأله عن مصدره، ولن تحاسبه على حيازته دون ترخيص.
الفكرة كان لها مردود قوى، وكان أطرف ما فيها أن نائباً برلمانياً شهيراً هناك، قد فاجأ المصورين والصحفيين في مقر مجلس الأمة بأن ذهب إلى البرلمان وفى يده بندقية كلاشينكوف، كان يمتلكها دون ترخيص، وقرر أن يسلمها استجابة للحملة المعلنة من جانب الدولة، وتشجيعاً لمواطنين آخرين على أن يمشوا وراءه ويسلموا ما عندهم من سلاح!
حصيلة الحملة في أسبوعها الأول، بلغت طناً من الذخيرة، والعديد من قطع السلاح، مختلفة الأسماء والأشكال، والمسدسات، ولاتزال تتواصل بهدف إخلاء البلاد من السلاح غير المرخص خلال الأشهر الأربعة، لأن أي حائز له، بعد انتهاء المهلة، سوف يخضع لحكم القانون.
أستدعى خبر الحملة الآن، لأننا أحوج الناس إلى حملة مشابهة، ولأن الرئيس السيسى كان قد دعا أبناء مرسى مطروح، في وقت من الأوقات، إلى تسليم السلاح غير المرخص، وكانت حملة ناجحة في نطاقها، غير أننا في حاجة لإطلاقها على مستوى الجمهورية كلها، وليس في إطار مطروح وحدها!
ضبط الحدود التي كانت سائبة، في أيام الإخوان، مسألة ضرورية لتحقيق الأمن بمفهومه العام، ومن الواضح أن الدولة تبذل جهداً خاصاً في هذا الاتجاه، ولكن وقف التدفق عند الحدود لا يكفى، ولابد من جمع السلاح الذي تسلل من قبل، ولن يكون ذلك ممكناً بحملات المداهمات وحدها، ولابد من مبادرة شبيهة بالمبادرة الكويتية، يتم خلالها تنظيف البلاد من سلاح كثير دخلها في وقت الفوضى التي أعقبت 25 يناير 2011، ثم في العام التعيس الذي قفز فيه الإخوان إلى الحكم!
وإذا كان من بين الأسلحة التي سلمها مواطنون كويتيون قاذفة مضادة للدبابات، فإن لنا أن نتصور شكل، ثم حجم السلاح الذي يمكن أن تكشف عن وجوده مبادرة مثيلة عندنا، على أن يخضع بعدها مباشرة، حائز أي سلاح غير مرخص، لعقاب القانون، ودون رحمة أو فصال!
لتكن هذه الحملة اليوم لا غداً.. ولتكن بداية لتمشيط إرادى للبلاد، سوف يقوم به المواطنون تطوعاً حين يفهمون أنه لا عقاب على ما كان منهم من قبل!