بين الحين والآخر يتداول البعض على فيسبوك وغيره فيديوهات لرجال يذكرون الله وهم يحركون أجسادهم مع ألسنتهم في وجد وإيقاع ويتوّجون ذلك الفيديو بعبارات ساخرة مظلمة وظالمة، مثل (انظروا إلى خزعبلات الصوفية) أو (جنون النواصب) أو (أى دين جديد يتّبعون هؤلاء) أو (اضحك مع خرافات الصوفية)، ولا أدرى إلى أي نص مقدس يستندون في تلك التعليقات إلا على نفوسهم الجاحدة الجامدة التي لا ترى في كل خطوة تخطو نحو الجمال إلا وفيها شيطان يهتز ويرقص، رُوى في حديث جميل عن سيدنا جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، أنه حينما عاد من الحبشة بعد هجرة طالت، أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هاشاً باشاً مشتاقاً، فتهلل وجه الرسول وقال في محبة خالصة: (أشبهت خلقى وخلقى)، فأخذته الفرحة والسعادة والطرب حتى صار يحجل راقصاً على عادة الأحباش، أي يقفز على قدم واحدة ويرفع الأخرى حتى وصل إلى حبيبه صلى الله عليه وسلم واعتنقه في شوق ولم ينهه رسول الله عن ذلك ولم يتهمه أحد من الصحابة بشىء منكر أو يعتب عليه، لكن البعض الآن له عقل وقلب.
لا يهتز طرباً إلا لقطع الرؤوس وأجساد لا يرقص فيها إلا لسانها، فيُتهم الطيبون بالكفر والزندقة، حفنة من المسلمين قليلو التعليم والعلم يحاولون أن يفرضو ما اعتقدوه على مليار مسلم بعلو الصوت تارة وبالمال وغلظة القلب تارة أخرى، مستغلين جهل الناس بدينهم فيسارعون إلى اتهام كل راقص وهازج بالخروج عن صحيح الدين، لا يعلمون أن هذه الأجساد حركتها المحبة، فلولا الحب ما تحرك ساكن ولا سكن متحرك، وما حركة الأفلاك إلا ذكر كونى لا يتوقف، وما انتظم الوجود إلا بالأنس، وما حصل ذلك الأنس إلا بتعاقب الحركة والسكون، وما كانت حلقات الذكر إلا صورة من حلقات مكررة في كل أنحاء الوجود، الكل في دوران ونظام وذكر، وما ينكر حركة الأرض أيضاً ودورانها وذكرها لمحبوبها إلا من انتهى به الجهل إلى غايته، حتى إن سدينا على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، قال واصفاً الذاكرين: «يتمايلون تمايل النخيل في اليوم العاصف»… فما حرك اللسان إلا القلب وما حرك الجسد إلا حنين الروح، فليس البدعة أن يحرك الشوق الجسد ولكن البدعة أن تتجمد المشاعر وتقاوم الأجساد فطرتها السليمة، وليس الدين الجديد هو ذلك الدين الذي يجعل الناس يتمايلون مع الذكر ولكن الدين الجديد هو الدين الذي لا يرحم ولا يلتمس العذر والرحمة، وليس الخزعبلات في الوجد والمحبة ولكن الخزعبلات في الإنكار بلا دليل، ورضى الله عن سيدى أبى مدين الغوث حين قال:
إذا اهتزت الأرواح شوقاً إلى اللقا
تراقصت الأشباح يا جاهل المعنى
أما تنظر الطير المقفص يا فتى
إذا ذكر الأوطان حن إلى المعنى