ربما كان من السابق لأوانه الآن أن يتخذ أحد من وقائع ونتائج الجولة الأولى من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب التي جرت في الأسبوع الماضى، أساساً يستند إليه للجزم بما سوف تسفر عنه هذه الانتخابات، سواء من حيث نسبة مشاركة الناخبين فيها، أو من حيث التركيبة السياسية للمجلس النيابى القادم، لسبب بسيط هو أن ما بين أيدينا من نتائج، لا يتجاوز ما أسفرت عنه جولة واحدة من أربع جولات، لن تتضح النتائج الحقيقية للانتخابات إلا بعد انتهاء الجولات الثلاث المتبقية منها في بداية شهر ديسمبر القادم.
وربما كان من أبرز الأخطاء التي ترتبت على ظاهرة إبداء الرأى قبل الأوان أو إصدار الحكم قبل المداولة، ومن دون دلائل كافية، الحكم الذي صدر بعد ساعات من يوم التصويت بأن هناك ما يشبه الإضراب السياسى عن المشاركة، لأن نسبتها لن تزيد على 10٪ من عدد المقيدين في قواعد بيانات الناخبين، وهى أكذوبة بنى عليها البعض- خاصة الموتورين من ثورة 30 يونيو، والنظام الذي أسفرت عنه- تلالاً من التحليلات وجبالاً من الأوهام، انهارت كلها حين كشفت الأرقام الرسمية، أن نسبة المشاركة في هذه الجولة قد وصلت إلى 27٪، وهى نسبة قد تكون أقل من توقعات البعض، إلا أنها تبدو منطقية إذا قارناها بنسبة المشاركة في الانتخابات النيابية في عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، وبالذات ما جرى منها تحت إشراف قضائى كامل، والتى لم تكن تتجاوز عادة 22.5٪ من عدد المقيدين في جداول الانتخابات.
معنى الكلام أن كل حديث عن مقاطعة المصريين للانتخابات، وكل تحديد مسبق للنسبة العامة لعدد الذين سيشاركون فيها، وكل تفسير لزيادتهم أو لنقصانهم، لابد أن ينتظر إعلان نتائج المرحلة الثانية والنهائية منها، التي ستجرى- بجولتيها- في 14 محافظة أخرى، يقع معظمها في الوجه البحرى، ويقترب عدد المقيدين في قاعدة بيانات الناخبين من عدد المقيدين منهم في محافظات المرحلة الأولى، الذين كان معظمهم من سكان الصعيد، الذين تميزوا- تاريخياً- بضعف مشاركتهم في الانتخابات العامة، حتى قبل ثورة 23 يوليو 1952.
من بين الأحكام التي صدرت قبل المداولة، بشأن هذه الانتخابات، إعلان بعض الأحزاب والقوى السياسية وحتى الناخبين، عزوفهم عن المشاركة فيها، بدعوى أنها ستجرى بين قوتين رئيسيتين من بقايا الماضى، هما فلول الحزب الوطنى المحترق، وفلول الجماعة الإرهابية التي ستسعى لخوضها متنكرة في ثياب حزب النور، وهو حلم خلت وقائع الجولة الأولى منها من أي دليل أو قرينة تؤيده، أو تؤكد صحته، إذ لم يخض أحد من أعضاء الجماعة الإرهابية الانتخابات باسم حزب النور، ولم يؤيد أعضاء الجماعة مرشحى الحزب على القائمة أو المقاعد الفردية.. وتبين أن الحزب نفسه هو مجرد نمر من ورق، إذ لم يستطع أن ينافس- في هذه المرحلة- إلا على 90 مقعداً فردياً، فضلاً عن قائمتين تضمان 60 مرشحاً، ولم يفز بمقعد واحد في الحالتين، ولم يتبق من مرشحيه للإعادة سوى 35 فقط، بنسبة حوالى 30٪ منهم.
ومع أن فلول الحزب الوطنى يتوزعون بين قائمتين هما «فى حب مصر» و«الجبهة الوطنية» إلا أن واحدة منهما فقط هي التي فازت في المرحلة الأولى، فضلاً عمن خاضوا منهم الانتخابات على المقاعد الفردية كمستقلين أو أعضاء في أحزاب أخرى، ولايزال عدد المقاعد التي فازوا بها ضمن القائمة، أو عدد المترشحين الذين يعيدون منهم في الجولة الثانية، فضلاً عمن يخوضون منهم الانتخابات في المرحلة الثانية بجولتيها غير محدد.. على نحو لا يسمح بإصدار حكم بالدور الذي يمكن أن يلعبوه في المجلس النيابى القادم.
ما يلفت النظر في وقائع ونتائج الجولة الأولى أن مشاركة الأحزاب السياسية، والنتائج التي حققتها فيها، جاءت أفضل مما توقعه- أو تمناه- الذين راهنوا على صيغة «ديمقراطية بلا أحزاب»، وهى العامل الأساسى- وليس الوحيد- الذي أدى إلى ما سموه ظاهرة «العزوف عن المشاركة»، فقد ارتفعت نسبة مشاركة الأحزاب في هذه الجولة إلى 35٪ من عدد المترشحين، وكان التقدير المبدئى يقول إنهم 20٪ فقط.. مع أن عدداً ملحوظاً من هؤلاء خرج من السباق الانتخابى في الجولة الأولى بنسبة تقترب من 50٪ من عددهم، بينما يخوض الباقون الإعادة التي تجرى خلال هذا الأسبوع، ومن بينهم 65 عن حزب «المصريين الأحرار» و48 عن حزب «مستقبل وطن» و35 عن حزب الوفد و14 عن حزب الشعب الجمهورى و3 عن حزب المحافظين وأحزاب أخرى.
ولاتزال الفرصة سانحة أمام الذين لم يشاركوا في الجولة الأولى من هذه المرحلة، بسبب حيرتهم في الاختيار بين العدد الكبير من المترشحين الذين لا يعرفون عنهم شيئاً، لتصحيح هذا الخطأ والخروج من هذه الحيرة، بأن يعطوا أصواتهم لمرشحى الحزب السياسى الذي يعتقدون أنه أقرب إلى تحقيق مصالحهم ومصالح وطنهم، أو المرشح المستقل الذي ينتمى إلى تيار يتبنى هذه المصالح.. انطلاقاً من القاعدة الديمقراطية التي تقول «لا انتخابات لها معنى دون أحزاب سياسية»!