x

عمرو هاشم ربيع دروس من انتخابات المرحلة الأولى عمرو هاشم ربيع الأربعاء 21-10-2015 22:25


كشفت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية عن عدة دروس، نتج جميعها عن مثالب فى العملية الانتخابية من الناحية الإجرائية، وهذه المثالب سبق أن حذر منها الكثيرون، لكن يبدو أن الآذان صمتت وقتئذ عن سماع الرأى الآخر. فماذا كشفت عنه الانتخابات:-

1- كشفت الانتخابات عن ضعف نسب المشاركة على مستوى المرشحين، فمن 10251 مرشحاً فى انتخابات البرلمان فى 2011/2012، إلى 7416 مرشحاً فى المحاولة الانتخابية الفاشلة فى فبراير ومارس 2015 إلى نحو 5500 مرشح تقريبا، منهم 2788 مرشحا فى المرحلة الأولى، من بينهم 2548 مرشحا فرديا والباقون من المنتمين للقوائم. من هنا يتبين أن هناك عزوفا عن الترشح فى الانتخابات. والمؤكد من الدراسات الانتخابية أن هناك تناسبا طرديا بين العزوف عن الترشح والعزوف عن التصويت، لأن كل مرشح له عائلة أو قبيلة أو شلة أو جهة... وهكذا لقد عزف الكثيرون عن الترشح بعدما أحسوا عدم مصداقية المسألة برمتها، فقوانين الانتخاب الثلاثة تُشرع بعد عام تقريبا من دستور 2014!، ويُطعن عليها فتبدأ العملية من جديد، ويُطلب جباية أموال كثيرة للكشف الطبى مرة أخرى، الذى لم تكن له ضرورة بداية، فهو لم يطلب من الوزير الأرفع منصبا، ولا نحتاج كل إجراءاته المعقدة لو كان الغرض هو فقط الكشف عن تعاطى المخدرات، وبعد كل ما سبق يقال إن هناك عشرات الطعون الأخرى على البرلمان القادم... فلماذا المشاركة إذن؟.

2- ساهم النظام الانتخابى الذى عفى عليه الزمن والمسمى بالقوائم المطلقة إلى جانب الترشيح على المستوى الفردى فى إرباك المشهد التصويتى، وهذا الأمر ربما اتضح فى سؤال الناس لأنفسهم من ننتخب؟ وكيف ننتخب؟ وكم العدد الذى ننتخبه؟ وهكذا، وكل ما سبق أدى إلى أن البعض آثر السلامة وعزف عن المشاركة فى الاقتراع.

3- يشكل عنصر الشباب نحو 63% من القوى الناخبة، أى ما يقرب من 33 مليون ناخب، ومن ثم فإن عدم مشاركة غالبية هؤلاء فى الانتخابات، مقابل ذهابهم بالآلاف إلى مباريات كرة القدم يمكن له أن يقصم ظهر أى عملية انتخابية. وهذا الأمر لا شك لا يجب أن يمر مرور الكرام من قبل الباحثين وخبراء علم الاجتماع. فتلك القوة الضاربة فى 25 يناير و30 يونيو وجدت نفسها وقد خرجت من المشهد صفر اليدين، فتمكين الشباب أدى إلى تعيين نفر قليل، منهم نائب وزير أو محافظ، وفلول نظام مبارك سعوا لاختطاف خروجهم فى 30 يونيو، وعادوا إلى المشهد الانتخابى بكثافة من خلال الترشيح. وإذا زيد على ذلك قانون التظاهر الذى حرمهم من حريتهم، لا سيما بعد رفض الدولة تعديلات المجلس القومى لحقوق الإنسان، ثم القبض على العشرات منهم وعدم الإفراج مؤخرا إلا عن القلة منهم... كل ذلك أوغر صدور هؤلاء الذين يتلاقون مساء كل يوم فى العالم الافتراضى النتى.

4- يثير موقف الأحزاب أكبر درجات الغرابة فى المشهد، فهم ونتيجة لضعفهم قبلوا بنظام انتخابى رث، ولو افترض واتحد غالبيتهم وهددوا بمقاطعة الانتخابات، لما وصلنا إلى هذا الحال. إذ إنهم عوضاً عن ذلك ركضوا خلف الداعين لإكمال المسيرة ودعوات من قبيل خذ الموجود ثم طالب بالتغيير. وهكذا وجدنا المستقلين يكتسحون المشهد، وهو ما يثير العصبيات والرشاوى الانتخابية وربما العنف. وحتى مع كثرة عدد الأحزاب الذى وصل إلى نحو 102 حزب، كان للمستقلين الغلبة فى الترشيح. خذ على سبيل المثال محافظة الإسكندرية وبها أكثر الأحزاب مشاركة وعددها 29 حزبا وصلت نسبة المستقلين فى ترشيحاتها 70% أما أقل تواجد للأحزاب فكان فى مطروح بعدد 4 أحزاب وبعدد مستقلين يصل إلى 90.5% من جملة المرشحين. وخذ أكبر وأقدم الأحزاب وهو التجمع لم يرشح على المقاعد الفردية فى المرحلة الأولى سوى 10 أشخاص والوفد 79، رغم أن المطلوب على المقاعد الفردية لهذه المرحلة 226 نائبا، وربما يزيد العجب لو عرف أن حزب كالمصريين الأحرار والنور يضم بين مرشحيه أناسا لا ينتمون أصلا للحزب!!

5- يرتبط المشهد السابق بزخم يثير الاشمئزاز، وهو عودة الصراع المدنى الدينى فى السباق الانتخابى، بصورة نمت عن درجات كبيرة من الإسفاف، صحيح أن النور السلفى مازال يثير مشكلات بتوظيف الدين فى السياسية والشواهد على ذلك كثيرة، إلا أن الهجوم عليه ثم الهجوم المضاد من قبله على باقى الأحزاب، ووجود حملة إعلامية ضارية عليه من الفضائيات، جعلت هناك رغبة من الأحزاب الليبرالية فى الدخول فى استفتاء وليس انتخابات، كنتيجة عملية لإقصاء النور من المشهد كما تريد. ووصل الأمر فى الهجوم على النور إلى حد التناقض. فالأحزاب التى انتقدت النور لموقفه من المسيحيين والمرأة وهى بالتأكيد محقة فى ذلك، كان يتوقع منها إنصافها. لكننا وجدنا قوائم المصريين الأحرار الفردية فى المرحلة الأولى وعددها نحو 112 مترشحا بها نحو 10 مسيحيين فقط!! وهى وقوائم الوفد الفردية فى نفس المرحلة تخلو من المرأة بشكل كامل!! وعودة إلى التحليل السوسيولوجى، فإن المشهد الانتخابى شهد هذه المرة ظاهرة تستحق الدراسة وهو تفتت العائلات والقبائل. فقديما كانت تلك الظاهرة نادرة، لكن هذه الانتخابات نشهد أكثر من مرشح من نفس العائلة، ما أدى إلى عزوف الناخبين، حتى لا يغضب أحدهم هذا الطرف أو ذاك. وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر يرتبط باختفاء الكبير الذى يأمر فيطاع بين العائلة والقبيلة، وهو ما نلمسه ليس فقط فى الانتخابات، بل أيضا فى الحوادث الأمنية فى سيناء، حيث لم يعد لشيخ القبيلة السطوة السابقة، بل إنه أصبح معرضا للعنف الذى هو ذاته باسم الدين.

6- هناك أيضا عامل الملل، فكثرة ذهاب المصريين إلى صناديق الاقتراع منذ يناير 2011 وعددها سبع مرات أدت إلى حالة عزوف، خاصة أنها لم يصحبها تغيير معتبر على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

يبقى السؤال الأخير: «هل البرلمان القادم إذا ما استمرت النتائج السابقة سيكون شرعياً؟» من الناحية القانونية سيكون كذلك. أما من الناحية الشرعية السياسية فالأرجح أن المواءمة تقول إن نسب المشاركة السابقة فى الاقتراع تضعف مركزه إن لم تكن تضعف مركز نظام 3 يوليو 2013 وأياً كانت الاستنتاجات، فإن البرلمان القادم سيكون برلمانا تمريريا بامتياز، يخلو من المعارضة، فكلنا أولاد 3 يوليو 2013، ومن ثم فهذا البرلمان يختلف ليس فقط عن برلمان 2011/2012 الذى تضمن كل أطياف المجتمع، بغض النظر عن رأينا فيهم، بل أيضا عن بعض برلمانات مبارك كبرلمان 2005 و1984 و1987 الذى تضمن القوى المدنية متعددة الأطياف والقوى الدينية، لكن الخلاف عن برلمان مبارك أنه يأتى بعد دستور 2014، فى مناخ منفتح نسبيا على الأقل من الناحية النظرية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية