x

بهي الدين حسن إنذار ١٨ أكتوبر بهي الدين حسن الجمعة 23-10-2015 20:07


لن يمر وقت طويل قبل أن نعرف مضمون «الرسالة» الجماعية التى وجهها المصريون فى ١٨ أكتوبر. هل أداروا ظهرهم للمحطة الثالثة من الطريق، أم للطريق ذاته؟

ثلاث «نبوءات» نُشرت فى ١٨ أكتوبر ورسمت ملامح الانتخابات البرلمانية. قد تبدو النبوءات لأول وهلة متناقضة، ولكنها جاءت فى جوهرها متطابقة رغم نوايا أصحابها. قالت جريدة «الجمهورية» إن «مصر تبهر العالم». وقال د.بطرس غالى إنها ستبرهن على «مصداقية مصر». بينما تنبأ باسل رمسيس فى «البداية» بأن الانتخابات ستكون مناسبة يعلن فيها المصريون عن «احتقارهم للمسرحية»، مؤكدا أن مهزلة الانتخابات الحالية لا تستحق حتى «شرف مقاطعتها».

بالفعل «أبهر» المصريون العالم فى ١٨ أكتوبر ٢٠١٥، عندما قرر أكثر من عشرين مليونا منهم (من بين ٢٧ مليونا ناخبا مسجلين للمرحلة الأولى) «احتقار» الانتخابات. وذلك دون توجيه من أى حزب أو جماعة سياسية ذات نفوذ. بل بعد أن جرى خلال الأعوام الأربعة الماضية تقويض كل منبر سياسى ذى معنى أو مستقبل، بكل الوسائل الأمنية وغير الأمنية، على أيدى المجلس العسكرى والإخوان المسلمين والحكم الحالى. فى ١٨ أكتوبر تبرهن مصر أيضا على «مصداقيتها». إنها مازالت متمسكة «بالحلم» الذى رأته منذ ٤سنوات ـ مثلما عبرت «أم زياد» فى نفس اليوم للمحاور التليفزيونى المعروف عمرو أديب فى مداخلتها المفعمة بالتلقائية والأسى على «الحلم» المسروق- برغم المذابح والسجن والتعذيب والإخفاء القسرى، برغم حملات النهش المنظم للأعراض باختبارات العذرية وغيرها، برغم حملات الاغتيال المنظم المعنوى والمادى والتهديد بالقتل، برغم فزاعات الإخوان وحروب الجيل العاشر ومجلس إدارة الكون. مازال «الحلم» حيا بالنسبة للبعض، وبالطبع كابوسا للبعض الآخر.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وجه نداء خاصا عشيّة اليوم الأول للانتخابات لحث المواطنين على المشاركة: «أدعوكم إلى الاحتشاد بقوّة مرة أخرى، لتنفيذ استحقاقنا الأخير الذى توافقنا عليه». كما توجه إلى الشباب بنداء خاص: «شباب مصر يجب أن يكون فى طليعة يوم الاقتراع». ولكن بعد خمس ساعات من بدء الاقتراع لم يكن قد أدلى بصوته سوى ١٩. ١ ٪ من الناخبين، وفقا لتصريحات الأمين العام للجنة العليا للانتخابات. الذى أكد أن أغلبيتهم يتعدى عمرهم الستين عاما، بينما كان الشباب - وفقا لذات التصريح - هم أقل الفئات العمرية مشاركة. لم يتغير الحال كثيرا فى اليوم التالى، برغم أن الحكومة منحت الموظفين نصف يوم إجازة، من أجل الترميم المستحيل للانكشاف المهول الذى دوت أصداؤه فى كافة أنحاء المعمورة قبل غروب شمس ذات اليوم. لذات السبب أعلنت الحكومة عن اعتزامها تحصيل غرامة كبيرة من الذين عبروا عن رأيهم سلميا فى الانتخابات «باحتقارها»، بالرغم من كونه عملا غير عنيف أو إرهابى. كانت هذه مناسبة أيضا لنعرف حقيقة «مفاهيم الإسلام الصحيح» و«الثورة الدينية» التى حث رئيس الجمهورية رجال الدين عليها، وذلك عندما قامت دار الإفتاء الحكومية وبعض رجال الدين بتهديد من لا يقترع فى الانتخابات.

تخلى عن الخريطة أم الطريق؟

الحكم الحالى هو أول من زرع بذور الشك فى الطريق ومحطاته الثلاث. فى الأولى انتخب المصريون رئيسا «للجمهورية»، وليس «ملكا» يصدر منفردا- ودون مستشارين معلومين ـ كل يوم القوانين أكثر مما يصدره حتى الملوك، الذين لا يحتاجون شعوبا لانتخابهم. ويقرر منفردا مشاريع اقتصادية ومقاولى تنفيذها، بتكلفة باهظة ودون دراسات علمية معلومة تفيد بجدواها أو أولويتها. ويحتجز فى السجون أكثر من ضعف الذين سجنهم مبارك، برغم أنه يقر علنا بأن بينهم أبرياء كثيرين. فماذا كانت إذن جدوى الانتخابات الرئاسية؟

فى المحطة الثانية جرى استفتاء الشعب على دستور جيد، ولكن صدرت التشريعات اللاحقة مناقضة له نصا وروحا، كما لو لم يكن موجودا. ثم أعلن رئيس الجمهورية مؤخرا أن الدستور لا يصلح. ما هو قيمة تصويت عشرات ملايين المصريين لدستور لا يطبق، بل يداس بالحذاء صباح كل يوم جديد؟

فى الطريق للمحطة الثالثة، كان قد جرى خنق كل أمل أو وهم فى أى عائد إيجابى محتمل منها، وذلك بإصدار حزمة من القوانين والإجراءات التى لا تكفل سوى فوز «حزب» الرئيس «فى حب مصر». قبل الانتخابات البرلمانية بأيام تعهد زعيم حزب الرئيس بالبصم بالجملة على مئات القوانين التى أصدرها الرئيس دون مناقشة فى الأيام الأولى لانعقاد البرلمان «المنتخب»، وكذلك اعتماد رغبة الرئيس بتعديل الدستور. ما هى إذن جدوى ذهاب ملايين المصريين لانتخاب برلمان سيبصم باسمهم على المطلوب مسبقا؟ هل يستدعى ملايين المصريين وتنفق مليارات الجنيهات لمجرد استكمال ديكور، على الأرجح لن يعيش أكثر من عمر برلمان مبارك ٢٠١٠؟ باختصار، الرسالة المشتركة المدمجة التى تلقاها المواطن المصرى عبر المحطات الثلاث هى أن صوته ومشاركته لا قيمة لهما.

ترجح الشائعات المتداولة، أن الهدف الرئيسى للتعديل الدستورى الجديد هو زيادة عدد السنوات المسموح بها للرئيس فى الحكم فى الدورة الواحدة، أو عدد هذه الدورات، أو كلا التعديلين. غير أنه إذا استمرت إدارة شؤون البلاد على هذا النحو، ومع بدء استيقاظ المصريين، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا السياق: هل سيتمكن الرئيس من استكمال الدورة الأولى لرئاسته، أم أن مصر ستشهد الانتفاضة «التالتة»؟

فى حوار «أم زياد» المتدفق -المشار إليه سلفا - يستبعد عمرو أديب العودة «للميدان» كمخرج من الوضع المأزوم الذى يسلم به معها، ولكنه يعجز عن أن يقدم لـ«أم زياد» ولملايين المشاهدين طريقا بديلا. إن فتح أبواب السجون لطحن عشرات الألوف من الأبرياء، وفى نفس الوقت إغلاق المجال العام أمام السياسة والمبادرات المدنية والاجتماعية وحرية الكلام، بما فى ذلك الحصار الخانق المدبر سلفا للانتخابات البرلمانية، جنبا إلى جنب مع المؤشرات المتوالية على فشل اقتصادى فادح، هى أفضل وصفة لانفجار من الصعب تجنبه، وجائزة مجانية لقوى الإرهاب والتطرف الدينى فى مصر، والعالم العربى أيضا. بالطبع هذه ليست أنباء طيبة لكل حريص على هذا الوطن.

لذا من الضرورى أن يدرك السيد رئيس الجمهورية قبل فوات الأوان المضامين الجوهرية لرسالة أو «إنذار» ١٨ أكتوبر، وأن يجنب المجتمع والجيش دفع ثمن هذه السياسات. وأن يبادر بعدد من الخطوات العاجلة، من بينها:

■ مصارحة المصريين بحقائق الوضع الاقتصادى وآفاقه، والأسباب الحقيقية لتفاقم الأزمة الاقتصادية. وكيف يجرى تدبير تكلفة المشروعات الاقتصادية الباهظة.

■ مصارحة المصريين بحقائق تعثر الحرب على الإرهاب، وأسباب سقوط عدد متزايد من الأبرياء فيها (بينهم السائحون المكسيكيون)، وتفاقم معاناة المدنيين فى سيناء.

■ مصارحة المصريين بأسباب الانهيار غير المسبوق فى أداء النظام القضائى المصرى، الذى كان حتى فى عهد مبارك، مصدر حسد فى العالم العربى، ثم صار للأسف أضحوكة يتندر بها العالم كله.

■ الإفراج الفورى عن عشرات الألوف من المصريين الأبرياء، والاعتذار لهم عما لحق بهم ولأسرهم ومحبيهم من أضرار وآلام، ربما لن يشفى إلا فى إطار مصالحة سياسية ومجتمعية شاملة. هذه المصالحة هى أيضا لا مناص منها، من أجل النهوض الاقتصادى ومجابهة تحديات الصراع طويل الأمد مع الإرهاب والتطرف الدينى.=

*مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية